العلة عندما تنزل على الإنسان هكذا دون علمه ، تكون صعبه ولكن ما يخففها هو أنها ليست باختياره ولم يردها ابتداء أو نقول: يشعر بالارتياح كونه ابتلي بها لا حيلة له فيها ، فلا يتألم منها ولا يلوم نفسه أو تصرفاته .
لكن عندما تكون العلة قد جاءت من الشخص وقد اشتراها بحر ماله الذي يمكن أن يصرفه فيما يسعده فإن الألم يكون وقعه شديدا والعلة من هذا النوع لا تنسى ولا مبرر يبرد قلب صاحبها المعلول ، من أجل ذلك استحدث الأولون مثلا شعبيا يقوله الواحد منهم بكل حرقة حيث يردد : [يا من شرى له من حلاله عله].
نحن اليوم نشتري بحر مالنا عللا كثيرة نسكنها معنا أو نضطجع وهي في جيوبنا ، أو ننقلها لمكان العمل أو نجلبها معنا من عملنا إلى بيوتنا ، تكون ملازمة لنا تنغص علينا الحياة ما يبردها تأففنا وترديد المثل ولا يزيد مرارتها حلو المعايش التي ننعم بها ، والتي لم ينلها أجدادناً.
لسنا في حاجة لأمثلة كثيرة فكثرة العلل تعفي من السرد والتسميات ، وكل واحد منا له علته التي اختارها واعتل منها وأخذت ماله وصحته .
فصاحب الاستراحة اشتراها ليستريح ويتوسع ولكن ربما جلبت عليه استراحته عللا كثيرة ، فهذا صديق زعل عليه بسبب عدم عزيمته فيها ، وربما زعل عليه آخر لأنه لم يتبرع بها في الأيام الشاغرة و الصديق أو القريب أولى بأن يشغلها في أوقات الفراغ .
وهذه خادمة تشغلنا منذ قدومها حتى مغادرتها ، ليس لنا شغل سواها وربما كان البيت ملئ بالبنات والأولاد الذين يقتلهم السمن ويبحثون عن علاج وتخفيف للوزن ، فالخادمة طلت مع الباب وفيه عمال حولها ، والخادمة تقوم قبل شروق الشمس فنشعر بأنها تقضي وقتاً مهدرا نحتاجه منها فيما بعد وهو المساء لكنها بسبب قيامها مبكرا تريد أن تنام مع غياب الشمس وقت حاجتنا لها.
وهذه خادمة هربت وكل أهل البلد مجندون للبحث عنها وقد يكون علة آخر ممن استقدمناه هو العلة التي يستقبل ويشجع هربها ويكسب على حسابنا وبلدنا ويستغفلنا ويستغلنا فتكون مشكلته هذه علة مركبة فيه ومنه .
ومن العلل التي نشتريها هذه الآلات والأجهزة الكثيرة التي في منازلنا نشتريها، للطبخ والمساعدة فيه والخلط والعصر والكي والتسلية وبعد فترة ليست بالطويلة تتعطل هذه الأجهزة بالتناوب لأنها أجهزة ضعيفة مقلدة رديئة الصنع استوردناها ونحن نعلم أنها قمامة العالم ، لتقلق راحتنا ويستقبل صيانتها متعلمون الحلاقة في رؤوس اليتامى الذين هم نحن ، لأن أولادنا الذين يمكن أن يخلصون لنا ولبلادنا لا يعملون في الصيانة غالباً ، فنشقى بعلة ما اشتريناه.
العلة الأخرى عمالنا سواء في مزارعنا أو في محلاتنا أو مصالحنا ومشاريعنا ، قد لا يعملون بإخلاص و بعضهم علة باطنية ، لا يهمه العمل ولا الإنجاز ومصلحة كفيلة ، يضيع الوقت ويبحث عن زوايا يختبئ فيها ، والكفيل أو رب العمل يبحث عنه ليل نهار ، فمرة يسهر مع رفاقه ويأتي في الصباح لا طاقة له على العمل ، ومرة يقبض عليه ويوشك على التسفير ، ومرات عديدة يجده لا يعمل العمل الموكل به ، وبعد أن يتعلم كل شيء يهرب لكي يبحث عن كفيل آخر يزيد راتبه .
أما علة العلل فهي هذه الأجهزة التي اشتريناها بحر مالنا أيضا بغية مواكبة العالم في حضارته ومتابعة التقنية من أولها حتى لا نكون في مؤخرة الركب المتحضر.
بلاك بيري ، آيفون ، جوال ، أي باد ، أي بد ، حاسب آلي ....الخ مع التلفزيون والراديو.
وكلها ذات نفع وقد صنعت لكي تخدمنا وتريحنا وتختصر علينا أوقاتاً كثيرة وتنقلنا إلى عالم أرحب ، ولكنها استخدمت بشكل خاطيء من البعض وهذا البعض كثير ، أدت إلى استنزاف الأموال والأوقات بل والعادات والطبائع فلم يعد الأطفال ولا الشباب في طريقهم إلى مستقبلهم بل جعلتهم في طريق الضياع الفكري والجسمي والعلمي والمستقبل ، ويصدق عليها المثل نفسه يامن شرى له من حلاله عله.
علل تتناوب علينا ندري من أين جاءت ونعلم لها حلولا ولكننا لا نريد الحل لأن العقل الجماعي يسيرنا والتقليد الأعمى أساس العلل كلها .
أتمنى أن لا نكون قطيعاً فأمجادنا ترفض ذلك وماضينا يؤهلنا أن نكون أكثر رشداً.
الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم
ماهر البواردي
ابو عبدالله
اشهد انك جبتها في الصميم ، نحن من يشتري العلل ونحن من يركض خلفها ، لله درك موضوع جميل جدا. وتلمس جميل لأحساس كل واحد لم يستطع البوح به كما ابدعت.
اخوك
ابوخالد
26-06-2012 09:28 مساءً
ناصر الحميضي
جعلني الله و إياك و والدي ووالديك في جنات النعيم
منك نتعلم ومن الماضي ننهل المثل الطيبة
تبحر بنا دوما في عالم من جمال الأمس وأنسه بين الأجداد ونوافذ الإسعاد
وفقك الله وحفظك
كل التقدير لك
27-06-2012 02:13 صباحًا