.
إن أي مجتمع إنساني لا يخلو من وجود معاق بين أفراده غير أن النظرة إليه تختلف من مجتمع إلى آخر ومن زمن إلى زمن ، وللتعريف بالمعاق لابد من تحرير هذا المصطلح وماذا نقصد به ، وحتى لا نتوه في بحور المصطلحات يمكننا أن نكتفي بتعريف منظمة الصحة العالمية الذي عرفته بأنه الشخص الذي يختلف عن المستوى الشائع في المجتمع في صفة أو قدرة شخصية سواء كانت ظاهرة كالشلل وبتر الأطراف وكف البصر أو غير ظاهرة مثل التخلف العقلي والصمم والإعاقات السلوكية والعاطفية بحيث يستوجب تعديلاً في المتطلبات التعليمية والتربوية والحياتية بشكل يتفق مع قدرات وإمكانات الشخص المعاق مهما كانت محدودة ليكون بالإمكان تنمية تلك القدرات إلى أقصى حد ممكن .
وقد أهتم الإسلام بالإنسان وحاجياته قوة وضعفاً مما جعله من أعظم الحضارات الإنسانية على مر العصور والدهور لما تميز به من تفرد في رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة وبشكل خاص متحدي الإعاقات المختلفة ، فالتاريخ يذكر لنا نماذج فريدة و خالدة سطرها التاريخ منذ القدم ولا يزال عن بعض المبدعين من المعوقين الذين كانت لهم جهود رائعة في المسيرة الإنسانية ، ومحاولتهم الحثيثة للتغلب على الصعاب، فهذا عبد الله بن أم مكتوم الأعمى قد ولاه النبي صلى الله عليه وسلم ولاية المدينة مرتين ، ومن النماذج التي كانت له بصمات في السخاء والجود والكرم عمرو بن الجموح الذي كان شديد العرج وهو القائلُ: (واللهِ، إني لأرجو أن أَطَأَ بعَرْجَتي هذه في الجنَّة).فقد أسلم و قلبه وحياته لله رب العالمين، وعلى الرغم من أنه مفطور على الجود والكرم، فإن الإسلام زاد من جوده وعطائه في خدمة الدين والأصحاب، فقد سأل الرسول -صلى الله عليه وسلم- جماعة من بني سلمة قبيلة عمرو من سيِّدكم يا بني سلمة؟)...قالوا: ( الجد بن قيس، على بخـل فيـه )...فقال عليه السـلام وأيُّ داء أدْوَى من البخـل، بل سيدكم الجعـد الأبيـض عمرو بن الجمـوح ) فكانت هذه الشهـادة تكريما لابن الجموح، وهناك من برع في الحديث وخدمة السنة كالأمام الترمذي محمد بن عيسى صاحب السنن من أشهر علماء المسلمين كان أعمى ، وأبو الأسود الدولي القاضي الفقيه المحدث النحوي كان أعرج ، كما أن أبان بن عثمان بن عفان كان به صم وحول وبرص وشلل نصفي ومع ذلك كان من كبار فقهاء التابعين وعلمائهم وأرتفع شأنه حتى عينه عبد الملك بن مروان والياً على المدينة عام 76هجرية، وفي تاريخنا الحديث هناك من أصيب بالعمى وتولى الفتوى ، والمناصب الحكومية كالشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ والشيخ عبد العزيز بن باز ، والشيخ ابن غصون ، وهناك من صعد نجمه في مجال الأدب كمصطفى صادق الرافعي رحمهم الله جميعاً وغيرهم كثير.
وفي هذا دلالة على أن الإعاقة لا تعرف العجز ولا التقاعد بل هي مصدر إلهام لكثير من المبدعين في شتى المجالات والفنون ومن هنا ندرك أن المعاق ليس عائقاً أمام تقدم الدول كما يظن البعض بل هو في الحقيقة جزء أصيل في رفعة الأوطان وتقدمه من خلال مواهبه وقدراته الإنتاجية ومساهمته المجتمعية.
وقد أكدت رؤية المملكة 2030على ذل حيث اشتملت على خططٍ وبرامج تهدف إلى جعل المملكة أنموذجاً رائداً في العالم، ومتضمنةً تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من الحصول على فرص عمل مناسبة وتعليم يضمن استقلاليتهم واندماجهم في المجتمع بوصفهم عناصر فاعلة في المجتمع، وتوفير جميع التسهيلات والأدوات التي تساعدهم على تحقيق هذا النجاح، من خلال برنامج جودة الحياة وهو أحد برامج رؤية 2030والتي تسعى إلى توفير مرافق البنية التحتية في جميع أنحاء المملكة، وأن يكون الوصول إليها بسهولة عبر وسائل النقل العام، وأن تكون مهيأة لاستقبال الأشخاص ذوي الإعاقة.
وهكذا تكون المملكة في الدول الأوائل التي اهتمت بشريحة المعاقين وقدمت لهم كافة التسهيلات التي تجعلهم يعيشون حياة كريمة في وطن يتساوى فيه الجميع.
الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم