• ×

05:07 مساءً , السبت 21 ديسمبر 2024

د. عبدالعزيز عبدالله البريثن
بواسطة  د. عبدالعزيز عبدالله البريثن

عجلة الزمن

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
.
عجلة الزمن تسير دائماً للأمام، ويستحيل أن تعود للوراء، لكن يُعَبَّر مجازاً بـ"العودة إلى الوراء" للتّعبير عن الهدم مقابل البناء. نظرية "الهدم والبناء" ليست واضحة المعالم، شأنها شأن الكثير من الأشياء في الحياة، والتي تعتمد على الرأي الشخصي، والزاوية التي نرى من خلالها الأشياء، ونقيّم بها الأمور. فالحكم الشخصي حول المتقدم والمتخلف متباين، حسب القناعة، والخبرة، وطريقة التفكير التي ينتهجها الشخص؛ لذا كان البشر، ولازالوا، متفاوتون، وربما مختلفين في هذه الخصلة الأزلية. كما أن التقدم والتطور موضوع نسبي بين الأفراد حتى بين أبناء المجتمع الواحد، فدرجة انبهار شخص بسبب تعدد الجامعات المرموقة في مدينة "بوسطن" الأمريكية، ربّما يوازي نفس درجة إعجاب شخص آخر منبهر بكثرة أجهزة القمار والحانات المنتشرة في مدينة "لاس فيغاس".

أستغرب دائماً من سخافة مسابقات ملكات الجمال، والتي أخذت صيتاً ذائعاً في كثير من مجتمعات العالم، فسخفها ليس لبعدها الأخلاقي فحسب، وإنما لبعدها الإنساني والمنطقي أيضاً. فما هو الجهد الذي بذلته الفتاة كي تفوز بلقب "ملكة جمال"! فالخالق والمبدع والمصور هو الله، ولا شيء سواه؛ وليس للفتاة إلا النزر اليسير من الجهد أو العمل الذي يجعلها مستحقّة ذلك اللقب. لذا فإن هذا النوع من المسابقات باطل جملة وتفصيلاً، وما هي إلا مفارقة غريبة من مفارقات الزمن العجيب.

من المفارقات أيضاً أنك حينما تذهب إلى أحد الأسواق أو المجمّعات التجارية (المولات) وتجد بائع الكتب يفترش الأرض عند بوابة المجمّع واضعاً بضاعته (الكتب) على مجموعة من الكراتين، بينما تجد بائع الأحذية في أفضل المحلات داخل السوق، وقد وضع أنواعاً من الأحذية داخل صناديق العرض الزجاجية؛ وفوق هذا كله، قيمة جزمة واحدة تفوق قيمة تلك الكتب مجتمعة! مثل هذا المشهد يوحي بأن الاهتمام هجر العقول وانصب على الأقدام.

لقد أسهب الكثير من علماء الاجتماع في شرح نظريات التغير الاجتماعي، وقد سبقهم في ذلك العالم والمؤرخ المسلم "عبد الرحمن بن خلدون" مؤسس علم الاجتماع أو علم العمران البشري. لكن الحدس الذهني البسيط يمكننا من التفريق بين البناء والهدم دون حاجة إلى مناقشة أو مناظرة أو جدل، ومن غير تحليل ذهني عميق، ولا حتى نزاع أو خلاف علمي وبحثي. فتجارب التاريخ تشير إلى أن الهدم سهل، بينما البناء صعب. كما يؤكد الحدس أيضاً على أن الهدم يمكن تحقيقه أو تنفيذه بسرعة فائقة وفي زمن قياسي، بينما يحتاج البناء إلى وقت وعقول وإمكانيات. تستطيع في بضع ساعات فقط أن تهدم ناطحة سحاب، فكل ما تحتاج إليه هو آلة خاصة بالهدم أو معدات معينة تستخدم لإسقاط المباني في شكل عمودي وانسيابي في ظرف ثوان. في المقابل لو أردت تأسيس مستشفى فإنك تحتاج إلى ما لا يقل عن عام كامل للبناء وجلب التجهيزات الطبية ثم الكوادر البشرية. لهذا يبدو أن استخدام الحدس كمقياس لمعرفة اتجاه بوصلة عجلة الزمن دقيق – إلى حد ما – كي نتعرف من خلاله على الهدم مقابل البناء.

وهكذا يقاس في التربية على الأخلاق، والتأسيس للتنمية البشرية، خصوصاً في زمن تعصف فيه الرأسمالية على ما تبقى من الأخلاق الإنسانية. الرأسمالية ليست كلها خيراً، حتى ولو ناضل من أجلها أحمق أو دافع عنها أخرق. لننظر إلى المدارس والجامعات والمستشفيات في ألمانيا – على سبيل المثال – فتلك المؤسسات البنّاءة ما كانت نتاج تخطيط القائد "أدولف هتلر"، ولن تكون يوماً من نتائج الديكتاتورية أو من تخطيط الحمقى أو كدح الجهلة؛ لأن مثل هذه المشروعات المدنية الرائدة تخطط وتبنى وتشيد بواسطة عقول فذة، لذا ستبقى مقياساً للتقدم والتطور والنمو والبناء الإنساني الراقي، أما ما عداه فربما يكون هباءً منثوراً.

 0  0  993


جديد المقالات

بواسطة : الإعلامي الدكتور : فلاح الجوفان

. تجلت الإنسانية في أبهى صورها ، عندما تعرض "...


بواسطة : عبدالعزيز عبدالله البريثن

. آه .. ويح من فقد أمه، ولم يقبلها في ضحاه، أو...