عندي في بلدتي دار طين قديمة هي ميراثي من أبي وقبله جدي ، يطلق عليها في المصطلح الحديث ( خرابة) لأنها تساقط سقفها وجدرانها ، وبقي الباب الخشبي مكسورا فيه فتحات ، وفي داخلها وأقاصيها غرفة مظلمة يبدو سوادها حتى في عز الظهر ، قد تتراءى لك الأشباح عند التحديق في ظلمتها ولو كنت في وسط النهار ، أما في الليل فلا شك في ذلك .
صارت تلك الدار مخيفة لمن يمر بها في أي وقت ، ولكنني لا أخاف أشباحها بل تطغى عليها ذكرياتي الحلوة فيها وآنس في وجودي وسطها كلما زرت البلدة .
ما يريحني أن كل ما حولها في البلدة القديمة مهجور ، إلا من بعض البيوت المسكونة من قبل العمالة التي تسكن بأسعار رخيصة تحت أسقف متهالكة .
قد لا يهمهم كثيرا نوعية السكن لأن إقامتهم مؤقتة ، سنة سنتان خمس ثم يغادرون إلى بلدانهم ومعهم تحويشة العمر .
كل ذلك ليس مهما ، بل المهم في نظري هو قلقي على بيوتنا القديمة بعد سماعي بأن بعض الشباب في مدن مختلفة أحرقوا من منطلق الخرافات بعض المشاريع القائمة كما نشرت ذلك الصحف ، فهذا مستشفى مهجور منذ ثلاثين سنة في الرياض لم يعمل ولكن بعض الشباب تجمهروا وأحرقوه ، منطلقين من تبادل خرافات بأنه مسكون بالجن ويريدون إحراق الجن وخروجهم يركضون من المستشفى.
في الواقع أنا خائف جدا على دارنا من أن يصيبها بعض الخرافات فتحترق وهي رغم تهالكها إلا أنها غالية عندي ، أزورها في ذكرياتي ولا أستطيع السكن بها لأنها لا تصلح إلا للجن.
موضوع المقال هذا ليس مختصاً بدار مظلمة متهدمة ولكنه عتب على شباب في وقت يعتبر العلم قد أنار كل الآفاق إلا عقول بعضهم ، العالم كله يفاجئنا باختراع كل دقيقة وهم يتأخرون .
والشيء الآخر ، لماذا نبقي كثيرا من الخرابات مأوى للعمالة السائبة وللمشكلات التي لا ندري أيها يظهر أولاً.
لدينا مأوى تسكنه الجريمة ولدينا مشاريع توقفت ونسيت ولدينا زوايا مظلمة منسية ولدينا مزارع لا ندري ماذا تنتج لكنها بلا ساكن وربما يسكنها الجن يوما ونحن غافلون ، سواء كان هــؤلاء الجن حقيقيون أم أنهم جن من العمالة
الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم