.
حديث الساعة الدائر بين الناس اليوم هو "الدارسة عن بعد" و تعني العبارة تلقي الدروس من خلال أجهزة الجوال والكمبيوتر ووسائل الاتصال المتعددة ، دون التلقي المباشر من المعلمين ، أي أن تلقي المعلومات و العلم يكون عبر أجهزة ودوائر تنقل الصوت والصورة ولا يجتمع المعلم والمتعلم في مكان واحد.
وهذا ليس بغريب في التثقيف والتعلم بل يحصل كثيرا فيما مضى في المحاضرات المسجلة و عبر الدوائر المغلقة حيث يحاضر المعلم وتتلقى المتعلمات المحاضرات عبر الصوت والصورة ، أو الصوت فقط ، وقد مضت سنوات عديدة و هذا النوع من التعلم و بهذه الكيفية يجري ولو جزئيا وبشكل محدود ، يجري بكل مرونة ويسر ، وقد استفاد الكثيرون من ذلك ، وجل التثقيف كان دون مباشرة ، بل عبر أشرطة أو إذاعة وتلفزيون ..الخ
نعود للتعليم عن بعد والذي يتناوله حديث الساعة و مجاله والمستهدفون هم طلاب التعليم النظامي العام والجامعي الآن ،وهي أعداد كبيرة بل تعليم دولة كاملة ، فربما زاد عدد طلابه على 6 مليون طالب بمعلمين عددهم 600 ألف وربما أكثر .
ولا نتوقف عند تلك الإحصاءات فالعالم كله يعاني القضية نفسها ، لكن ما يهمنا هو أن التعليم عن بعد ، بادرنا بانتشاره وبشكل فجائي وقد لا يكون له ترتيبات سابقة وتدريبات على تنفيذه كافية ، ليس خيارا يمكن الأخذ به أو تركه ، كما هي رغبتنا في الاستماع لبرامج الإذاعة والتلفزيون ومحاضرات التثقيف وتطوير الأداء وغيرها من وسائل نشر المعرفة الاختيارية ، التي لا يبنى عليها تقويم ولا تمنح شهادات.
التعليم النظامي مستقبل وطن ومجتمع ، ويحتاج إلى ضبط ومساراته مهمة ومسؤولية كبيرة يتحملها المجتمع كله بكل أجهزته ومكوناته ، من أسرة وإدارات ومدارس ومنسوبيها ، وهو في الوقت الحاضر بديل الحضور والتعليم المباشر الذي حال دون الاستمرار معه ظروف الجائحة التي نأمل أن لا تطول ، وبالمختصر المفيد هو واقع وعلينا أن نتكيف معه.
لكن في الوقت نفسه فإن العمل عن بعد لم يكن غريبا ولا جديدا على المجتمع ، فقد عمل فيه الكثيرون في مجال التجارة والمال ، والتصدير والاستيراد ..الخ
فالتجارة الالكترونية وهي تستحوذ على قدر كبير من النسبة في مجال التعامل الفردي والمؤسسي ، سارت بمرونة كبيرة ودون مشكلات تذكر ومر عليها زمن جعلها تدار بشكل مرن ومفيد ولم يجر حولها أقوال كثيرة ولا تردد بل قبلت بشكل يدعو للتفاؤل ، وأن التعاملات التي تتم عن بعد عبر مسارات آمنة وجيدة حققت فوائد كثيرة ، ولم تتعرض نتائجها لمشكلات كبيرة وعقبات تستحق القلق ، بل يسرت واختصرت وأزالت العديد من المتاعب التي كان يعاني منها الناس والدول جراء العمل المباشر والتنقل ..الخ
ومثل التجارة والتعامل المالي والاقتصادي خدم العمل عن بعد أيضا الجانب الثقافي والتعليمي فمضت سنوات عديدة والطلاب يتواصلون مع دور النشر والمكتبات ومراكز البحث من خلال التقنية ويحصلون على المعلومات عبر التقنية وهم في فصولهم الدراسية أو منازلهم ويجتمعون مع الآخرين عن بعد ، ويصممون مشاريعهم وينفذون أبحاثهم ودراساتهم عن بعد ، فكانت خطوات موفقة وجرت بكل يسر وسهولة ونجاح سنوات عديدة مضت قبل تلك الجائحة.
ولقد كانت فرصة التدريب والعمل والتعليم والتعلم عن بعد ، متاحة في السابق وقبل الاضطرار لها الآن ، وكانت اختيارية و في متناول كل الدول ونحن من ضمن تلك الدول والمجتمعات ولكننا تباطأنا عن الأخذ بها ظنا منا أننا لن نضطر لها لكننا اليوم في اضطرار لها بسبب الجائحة .
كان لدينا فرصة زمنية وفسحة كبيرة من الوقت وامكانات مادية ضخمة تؤهل الأجهزة كلها و مؤسسات التعليم أحدها ، وفي مقدورها لو كانت بعيدة النظر ، الأخذ بتجارب التعليم عن بعد بشكل جاد ، وفرصتها متاحة لكي تقطع شوطا في مجالها وتحصد النجاح في وقت لها كامل حرية التحرك في إدارة التجارب وتنويعها ، وفي وقت يسمح لها الأخذ بالتحرك دون ضغوط ، لكن ما فات لا يلتفت إليه ونحن نعيش الحاضر وعلينا أن نتعايش مع ظروفه ونعمل بجد ، ورب ضار نافعة.
الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم