بداية نتساءل ، هل يسرق الشخص نفسه؟
والجواب : نعم قد يسرق الشخص نفسه ولكن ذلك في الظاهر وليس حقيقة ، وهذه السرقة تأتي مقدماتها من مبادرة الشخص وحبه للخير للغير ، من باب النوايا الحسنة والطيبة بل والشهامة والتعاون .
ولكي يتضح هذا الأمر الذي ربما جربه الكثيرون وخاصة المصور والرسام والشاعر والكاتب والمبدع في أي مجال من مجالات التعبير والعطاء.
فالملاحظ أن الشعراء و الصحفيين على سبيل المثال أو من يقوم باستطلاع ومن يهوى توثيق المواقف والمناسبات ، يقوم بتصوير وتغطية كافة جوانب المناسبة ، ويتحمس لذلك خاصة عندما يكون من الفئة المحبة للعمل والحريصة على المبادرة والنجاح .
ثم يطلب منه بعض من حضر المناسبة بعضا من الصور ، إما ليحتفظ بها للذكرى أو إعجابا بجوانب تلك المناسبة ، وأحيانا من أجل تضمينها بحثا لديه أو مشروع توثيق وغيره .
إلى هنا والوضع طبيعي ، وعادي أن يتعاون الجميع ويدعم بعضهم بعضا ، بل هو من أهم الروابط المحببة للنفس أن يكون بين الأفراد أريحية وإيثار في كل الجوانب المفرحة التي تسعدهم.
لكن غير الطبيعي أن لا يذكر للصورة مرجعا ، ولم يحفظ للمصور حقا ، فقد اعتبرها هدية مثلها مثل مناولته حقا مشاعا لا مرجع له ، أو كما لو قرب أريكة يستند عليها.
فمن هنا تبدأ المشكلة ، فصاحب الحق سيتعرض للظلم وسيتهم بالسرقة فيما بعد ، عندما ينتج عملا خاصا به ، و الذي تعب عليه وأدركه بفضل الله ثم جهده الخاص ، فيقال له لقد سرقت هذا العمل ، ولقد سبقك به هذا و ذاك .
والحقيقة أن هذا وذاك متطفلون ، فهم يستعيرون المنتج ويوظفونه لصالحهم دون ذكر مصدر له ، فيقع صاحب الحق الأصلي في دائرة الاتهام.
هذا يحصل كثيرا عند الشعراء أيضا وربما الكتاب ، ففي قول الشاعر لأبيات لم تنشر وإنما حصلت في جلسة خاصة ولم توثق ، فقد يستشهد بها كاتب أو شاعر في مناسبة وينسبها لنفسه ، أو تنسب له ، ويبقى صاحب الحق الأول مجهولا ، ولو استخدم قائلها الأول رغم أنها أبياته لاتهم بالسرقة لأنها لم تسمع منه ابتداء وإنما نهبها هذا وذاك المتطفلون .
أقول هذا ليس من منظور الأنظمة والقوانين ، وإنما من باب ما يحصل في ساحة المجاملات والتعامل العادي الخالي من التربص وإرادة السرقة أو التعدي على حقوق الآخرين ، فما يجري في المجاملات نابع من حسن نية وتصرفات يطلق عليها أحيانا ( ميانة) أو ما بين الطيبين حقوق. ، لكنها في النهاية تلحق أضرارا بالغة أو موجعة من الصعب تجاوزها بسهولة ، ولدى إخواننا في مصر مثل شعبي متداول يقول " الدبة التي قتلت صاحبها" ، فالدبة رأت صاحبها وقع عليه ذباب فأرادت أن تقتل الذباب ولكنها قتل الاثنين معا بحسن نية .
ولكي نخرج بسلام من تلك الدائرة يفترض توثيق المنتج أيا كان ، وعدم التفريط في الحق الشخصي منعا للمتاعب المستقبلية ، ويمكن أن تتهم بعدم التعاون وتوصف بالأنانية وغيرها ويكون صعبا وفيه مرارة ، لكن ذلك لا يهم لأن ما سيكون من التفريط أشد مرارة.
كما أن هناك بابا واسعا للتعاون والأريحية وهو تخصيص جزء من الإنتاج للهبة والكرم و سبيل ، أو صدقة على من تريد اهداءه والتعاون معه ، لا تريد لك حقا فيه بل تزرع من خلاله المعروف وتوثق عرى الصداقة وتزرع من خلاله معروفا بين الناس و تنوي بهذا المنتج أو ذاك طرحه للآخرين مشاعا لا تريد مردوده ولا تتبعه نفسك.
وكثيرا ما نرى صورا ومقاطع تركها أصحابها لمن يريد ، هكذا نراها في الساحة ولا ندري من أصحابها و لا عن نواياهم لكن الظاهر يقول إنهم خصصوها للمشاركة العامة لا يهمهم الارتباط بها في حق مادي ولا معنوي ، فارتاحت نفوسهم وكفاهم ما لمسوه من نجاح تذوقوه وهم يرون الاقبال على منتجهم.
وهذا يجيب على تساؤلنا أيضا حول الكم الكبير في الساحة من الإنتاج بلا مصدر .
فهناك من يلقي ببعض إنتاجه ، أيا كان نوع هذا الإنتاج ، تحت اسماء مستعارة ومعرفات مجهولة ، فتظهر صور وتنتشر أبيات وأعمال جيدة ولكنها بلا مصدر يمكن اعتماده ولسان حال صاحبها يقول : خذوا مني زكاة الموهبة عن طيب نفس.
الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم