.
*
الصدقة في شهر رمضان شأنها عظيم ولها مزية خاصة عن غيرها من الأشهر، حيث إن الأعمال تتضاعف بفضل الزمان والمكان، ورمضانُ من أفضل الأزمان، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين، ومردة الجن، وغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة»، ولذلك كل من يعين على الخير في هذا الشهر استحق أن يكون له من الأجر مثل أجر فاعله وفي الحديث "مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا".
ومما يجب معرفته أن رب العزة والجلال يجود على عباده في شهر رمضان بالرحمة والمغفرة، ولا شك أن من تصدق على العباد وسعى إلى إدخال السرور في نفوسهم في هذا الشهر فإن الله عز وجل سيجزيه خيراً ويجود عليه بالفضل والعطاء فالجزاء من جنس العمل ، وبما أن الإنسان سمي إنساناً لكثرة نسيانه وأخطائه فقد شرع الله عز وجل الصدقة ـ زكاة الفطر ـ في أخر شهر رمضان لجبر هذا النقص والأخطاء التي وقع فيها أثناء الصيام، فهي طهرة للصائم من اللغو، والرفث، وطعمة للمساكين ، فمن جمع بين الصدقة والصوم فقد حصد خيراً كثيراً وليس له جزاء إلا الجنة ، وفي الحديث : «إن في الجنة غرفا، يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها؛ أعدها الله لمن ألان الكلام، وأطعم الطعام، وتابع الصيام، وصلى بالليل والناس نيام»، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان جبريل عليه السلام يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة».وهذا ابن القيم يصف هدي النبي صلى الله عليه في الصدقة حيث يقول رحمه الله: (كان صلى الله عليه وسلم أعظم الناس صدقة بما ملكت يده، وكان لا يستكثر شيئا أعطاه لله تعالى، ولا يستقله، وكان لا يسأله أحد شيئاً عنده إلا أعطاه، قليلاً كان أو كثيراً، وكان عطاؤه عطاء من لا يخاف الفقر، وكان العطاء والصدقة أحبَّ شيء إليه، وكان سروره وفرحه بما يعطيه أعظم من سرور الآخذ بما يأخذه، وكان أجود الناس بالخير، يمينه كالريح المرسلة. وكان إذا عرض له محتاج، آثره على نفسه، تارة بطعامه، وتارة بلباسه) زاد المعاد، ج2،ص22 فالواجب علينا نحن المسلمين أن نقتدي بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في الصدقة والإنفاق في رمضان، ولتعلم أيها القاريء العزيز أن من يحسن الظن بالله عز وجل فإنه سيكون من أكثر العباد إنفاقاً؛ لعلمهم بأن ما ينفقونه سيخلفه الله لهم؛ قال تعالى: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) ، سبأ:39، كما يجب أن نعلم أن الصدقة سراً تطفئ غضب الربِّ عن أبي أمامة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صنائع المعروف تقي مصارع السوء, وصدقة السرِّ تطفئ غضب الربِّ, وصلة الرحم تزيد في العمر)، والمتصدق يوم القيامة يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله:منها ... ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) ، كما أن الصدقة عمل دائم لا ينقطع وأجره ثابت عن أبي هريرة رضي الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له).
ولهذا نحرص أن نتصدق في هذا الشهر الكريم عن أنفسنا وعن والدينا وعن من نحب لإدخال السرور والفرح على الفقراء والمساكين، وهناك العديد من الجمعيات الخيرية التي يمكن أن نتوجه إليها بصدقاتنا فهي جمعيات تعمل تحت مظلة وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، وتخضع لعمليات الحوكمة والشفافية مما يجعل هذه الصدقات تذهب إلى مستحقيها باحترافية وعمل مقنن ، ومما يميز هذه الجمعيات أنها تزود الداعمين والمتبرعين بتقارير موثقة توضح بنود الصرف والإنفاق، نسأل الله أن يتقبل صدقاتنا وزكواتنا وأن يجعلنا وإياكم من أصحاب اليمين وممن قال فيهم: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ)، الزمر، 73.
الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم