.
كل المجتمعات وعلى مر العصور تتعرض لما يغير رتابة الحياة فيها ، أو بمعنى آخر لا تسير الحياة وفق أهوائهم وما يريدون ، هكذا هي طبيعة الحياة لا تدري نفس ماذا تكسب غدا.
وإذا كانت الخيرات والمفاجآت السارة والتطوير نحو الأفضل يستبشر به الناس ويرونه الغالب في مسيرة حياتهم ، فإن المفاجآت غير المريحة قد تعترض ذلك المسار بلا مقدمات ولا جرس إنذار وخبر مسبق.
فقد اجتاحت الأمراض و السيول والمجاعات والكوارث الطبيعية بعض الأقاليم والدول ، إما على مستوى واسع أو أقل ولم يخل عصر من العصور من إشارة لها وإن اختلفت في حجمها وامتدادها.
وكل إقليم ودولة ومجتمع لهم تاريخهم الذي دونوه أو تختزنه ذاكرة بعضهم ، وفيه العديد من الحوادث عبر الليالي والأيام والناس في مواجهتها على العديد من الأساليب والطرق والتصرفات ، ولكنها تجتمع في ملتقى واحد ونقطة التقاء هي أنهم يبذلون جهدهم و الأسباب الممكنة مع التوكل على الله.
وفي مجال المعلومات حول الانتشار لبعض الأمراض وكذلك الأخبار حولها ، يبدو أن الماضي أكثر حظا من الحاضر ، وهذا راجع لضعف التواصل والمواصلات فيما مضى بين الأقاليم والدول بعكس الوقت الحاضر.
ولهذا كانت الشائعات وسرعة انتقال المرض معدومة تقريبا ، فالأحداث تروى أخبارها بعد مدة طويلة من وقوعها وتكون في الواقع قد تغيرت أو انتهت تماما ، كما أن انتقال الناس من مكان إلى آخر مكلف جدا ولا توجد وسيلة سهلة سريعة وهذا في حد ذاته ساعد كثيرا في مجال الحظر الاجباري في المكان دون أن يفرض فالواقع فرضه ، أما السلبية في هذا الجانب فعدم إمكانية مد يد العون للجميع على المستوى العالمي .
ومن دروس الماضي نستفيد فمن الحصافة توظيف دروس التاريخ لدعم التعامل مع الحاضر.
فمما يؤخذ من الماضي عزل المصاب بالجدري مثلا وغيره ، فقد كان ينصب له خيمة خارج مكان إقامة البادية أو الحاضرة ، ويعطى من الزاد ما يكفيه حيث لا دور رعاية للمرضى ولا مصحات .
وفي العزل وتفريق المصابين تجربة وقائية ناجحة ، اتخذها السابقون وسيلة وسببا وحيدا لوقف عدوى المرض وكسر حلقة انتشاره ، وليس لديهم أي طريقة أخرى غيرها ، حتى أن الطيب الشعبي في الجائحات والوباء يستسلم للواقع ولا يدلي الطبيب الشعبي عادة بما له أثر ، حالهم حال من جاء بعدهم لولا تطور الطب واكتشاف بعض الأمصال و اللقاحات هداية من الله لمن يعملون في مراكز البحث.
وفي الغالب يكتفي الناس بالانتظار ومراقبة المنحنى للجائحة ونقطة الصفر التي يتراجع عندها مد الوباء وتوقف زيادة أعداد ضحاياه ، فكلما تناقص العدد للمصابين استبشر الناس بزواله .
وكان الواقع يفرض على الحاضرة خاصة ، وضعه لا يستطيعون تغيير مكانهم أو تفرقهم بل يبقون في قراهم وفي منازلهم يمارسون نشاطهم المعتاد في رعي وزراعة ، ويرتادون الأسواق ويعملون في المتاجر ويترقبون الأخبار ويتابعونها ، فالوضع لا يمكن تغييره شأنهم شأن أهل المدن اليوم إلا أن الفرق بين الأمس واليوم هو فرض حظر التجول ومنع التجمعات في سوق أو مدرسة أو مسجد أو غيره ووقف كل نشاط يمكن إيقافه من أجل منع التلاقي الجسدي والعدوى.
أما أببرز ملامح المجتمع سابقا فهي صبرهم و قوة تحملهم للأحداث المؤلمة ، والتوكل على الله تبدو سماته في أذكارهم وتسبيحهم وآملهم ورجائهم وشعورهم بأن ما قدر الله كائن على أية حال ، وتضامنهم .
فلا تبدوا مظاهر الجزع وإن بدت مظاهر الحزن والوجع ، وهو أمر طبيعي أن يحزن من فقد قريبه وجاره وأهله ومن ألفه.
كما لم يجر شيء يربك المجتمع ويشيع فيه الذعر أو يقلل من تقبله لوضعه كما هو ، فالشائعات في زمن مضى معدومة أو شبه معدومة ، عكس اليوم كما هو ملاحظ في مواقع التواصل وغيرها من قنوات قد تهول أو تهون وكلا الحالتين تأتي بنتائج عكسية.
فلا التهوين وإن كان مطلبا للتهدئة و للتطمين ، مقبولا ، لأنه يجعل الناس تفرط في الوقاية واتخاذ أسبابها إذا هان عليها الأمر ، ولا التهويل مقبولا أيضا لأنه يؤدي إلى الفزع والقلق والارتباك ، مما يجعل ضرره أشد من الوباء نفسه.
وعلى العموم فإن الأزمات و الأوبئة والجائحات التي حصلت فيما مضى جعلت العالم بعدها يتغير ، ولكنه تغير بسيط لأنه لا يوجد بين المجتمعات صراعات سابقة وتنافسية واضحة بارزة ، وأما الآن فإن التغيرات سوف يشهدها العالم بشكل كبير وسوف تنقلب كل الموازين كما تغيرت الكمامة التي صارت صناعتها استراتيجية؟
الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم