.
لا أطرح هنا موضوع الأمانة في الكتابة والتصوير من منظور التوثيق وحفظ الحقوق وعدم التعدي على ملكيات الآخرين أو ذكر المصادر والمراجع ، كما جرت عادة التنبيه حولها ، ولكن أطرح الفكرة من منظور تحري الدقة فيما نصور ونقول فلا نبالغ ولا يكون فينا قصور .
فاليوم كل من حمل جوالا وكمرة وآلة تصوير وكذلك كل من حمل قلما وأجاد في التعبير ؛ قام بتغطيات لكل ما يراه ، سواء كانت أماكن تاريخية أو سياحية أو بلدان أو ملكيات خاصة أو عامة أو نشاطات بشرية أو رحلات له خاصة..الخ
وأثناء الكتابة والتصوير تغلب المحسنات اللفظية والفنيات الجمالية في التعبير اللفظي وكذلك المحسنات في الصور والتقاط المشاهد والمناظر من زوايا تحقق للمصور الرضا عن جودة ما يطرح ، فيبتسم تارة ويكبر ويصغر ويلغي ويضيف.
فالمصور يفكر كثيرا في أجود صورة يلتقطها مهتما بالإضاءة وجمع أكبر عدد من المعالم في الصورة الواحدة وأيضا إخفاء بعض الرتوش والعيوب التي في المكان وإظهار محاسن ما يراه أو إدخال محاسن غير موجودة من خلال الإيهام وخداع البصر والتأثير على المتلقي بأي شكل كان ، وذلك من أجل أن تكون الصورة التي من صنعه تحوز على قصب السبق بين الصور الأخرى لآخرين.
كذلك الكاتب الذي يحرص كل الحرص على أن تكون تغطيته فريدة من نوعها في اختيار العبارات والوصف فيتناول هذا الجانب ويتجاهل ذاك ويحذف عبارة ويضيف أخرى بحسب الضعف والقوة لا بحسب التعبير عن الواقع.
وفي مجال السياحة يريد أن يصور مكانا أو بلدة أو مشهدا ربيعيا وروضة أو واديا و جبالا والماء والمطر حولها فتراه يجتهد قدر ما استطاع لإيصال صورة هو مبدعها ويريد أن يفتخر بها عندما تكتمل.
إلى هنا والوضع طبيعي وجيد إلى حد ما ، فتمام العمل واكتماله من أجل ما يقوم به الإنسان ، و المهارة في صنع الأشياء دليل على التمكن.
لكن لا يفترض أن ينسى كل منا أن الصورة بالآلة أمانة والكتابة بالقلم كذلك.
فلا تصور للمتلقي مناظر ومشاهد وتبهره بغير الواقع ، فتضخم القليل وتتجاهل الكثير وتدعوه لزيارة المكان وتجعل من الحبة قبة ومن التراب والحصى ياقوت وجواهر ، حتى إذا حضر إلى المكان مجذوبا بحسن تصويرك رأى الواقع عكس ما أبديت وصدمته المشاهد والمناظر المؤلمة التي أخفيتها وتجاهلت الإشارة إليها ، جعلت من البقرة غزالا ومن الخرابة ناطحة سحاب ومن وردة واحدة باقة ومن غصن يابس غابة خضراء مليئة بالطيور.
كذلك الكاتب في تناوله تغطية مكان أعجبه وراق له الجلوس فيه أو بلدة يهواها أو موطن شد انتباهه ، فلا ينساق وراء البلاغة والبيان ومحسنات العبارات والسبك والحبك ، وينسجم مع مقالته مهتما لأن يكون لها بريق بين الأدباء ورنين في أفواه المثقفين ، متجاهلا ما نجم جراء قراءتها من خداع للمتلقي الذي غرته العبارات فركب سيارته مسرعا يريد أن يشبع فضوله من هذا الشيء مكانا أو مشهدا قد تكون المسافة بينه وبينه مئات الكيلومترات ، حتى إذا ما وصل المكان وما كتب عنه ذلك الكاتب الغرار ، لم يجد سوى القفر والفقر والغبار.
الصورة والكلمة أمانة فلا تجعلهما سنارة يعلق فيها طعم خادع ، كما تستجلب اللحم لكائن جائع ، حتى إذا أقبل ولبى النداء وتحمس ومد يده إليها تبين له أنه مخدوع وأن عليه أن يبقى متلبسا بالخسارة والجوع.
قرأت كثيرا لكتاب وشاهدت صورا لمصورين لم يهتم بعضهم بالأمانة ، ولولا أنني أعرف المكان لانخدعت وضاع وقتي وخسرت ، وهذا ينطبق على تغطية الأحداث كلها ، فالصدق في تقديم الأشياء رسالة تستوجب تحري الدقة في تناولها فنظهر كل إيجابية نقدر على إظهارها وكل سلبية نراها أو نتوقعها ، ونصور كل زاوية جميلة وكل زاوية معطوبة مخدوشة ، ونشير للظاهر والحفي ، ويكون الحياد هو المصور والكاتب والصياد.
بحيث لا يجد المتلقي عندما يحضر للمكان ويرى واقع ما نحن بصدده فارقا بين ما رآه وما في رسالتنا قلناه له ، ولا بين ما تمنى الوصول إليه وما دعوناه إليه.
وأختم بالتنبيه مرة أخرى على أمانة الصورة والكلمة
الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم