الخروج عن النص تعبير استخدم كثيرا في التعامل والتفاعل وتطبيق النص المسرحي أو التمثيل عموما ، فالمعروف أن من يؤدي نصا و الممثل والملقي على خشبة المسرح يتقيد عادة بنص محدد في الغالب لضمان التناغم بينه وبين الأطراف التي تشاركه الأداء نفسه حتى لا يرتبك أداء الفكرة بل تؤدى بطريقة سليمة لا خاطئة أو ضعيفة أو فاشلة وفي الوقت نفسه ضمان سلامة الهدف من الانزلاق في متاهة الفهم المتعدد ..الخ
وعندما يقال : خرج عن النص فالمراد جاء بعبارات من عنده( من كيسه ) اجتهادا أو خطأ أو بقصد ، لم يكن متفق على إيرادها ، وهذه العبارات لها خطورتها التي يقدرها أهل تلك الصنعة.
إن لكل علم مختص وهذا شائع ، وقد يكون هناك مختص في أكثر من علم وهذا نادر، وبالطبع هذه المعرفة وإتقان العلم ليس بالوراثة ولا بالأماني ولا بالتطفل على العلوم ، ولكن من خلال التعلم والممارسة ، والفلك علم أدرك بعضه من تخصص فيه وهذا فيه نفع وفائدة عندما يبقى العطاء من قبل المختص في حدود علمه وما توصل إليه من خلال تطبيقاته ، محيدا كل ما هو خارجا عن ذلك من وجهات نظر تمس علوما أخرى لا يدركها ولم يتخصص فيها بل ولا شأن له بها ولا تدخل ضمن العلم الذي اختاره مجالا للسير فيه..
هذا كله كلام ليس فيه جديد ، فالكل منكم يعرف هذا فليس هناك فلكي إلا وهو منشغل بالفلك من أجرام سماوية و شروق وطلوع وغياب وخسوف وكسوف ..الخ
وليس هناك من طبيب إلا وهو منشغل بالجراحة والالتهابات والفيروسات ومكافحة الأوبئة والتحليل والأشعة ..الخ ، وليس هناك من اقتصادي إلا وكل اهتماماته حول الإيرادات والمصروفات والبيع والشراء والأسواق والسلع ..الخ
فلماذا نتخوف من الخروج عن النص أو بالأحرى الخروج من مجال التخصص ؟
لأن من يخرج عن دائرة تخصصه يأتي بالعجب و يتكلف ما لا يفقه فيه ويثير جدلا عقيما يضر بكل من حوله وبعلمه قبل كل شيء.
كما الخروج عن النص مرده تلبية الرغبة الجماهيرية وحب الظهور ومثل ما يقول المثل الشعبي " دسوني لا تنسوني " يعني تعرفوا علي فإن هنا و لي فيما تهتمون به رغبة في التواجد ، لكن الرغبة في التواجد في دائرة الاهتمام لا تكفي.
فالجغرافي ليس بالضرورة عالم بالفلك وإن كانت الجغرافيا قد تناولت شيئا من الفلك في بعض فروعها ، ويشم منه الرائحة الفلكية ، كذلك الفلكي ليس مختصا في الفروع القريبة منه والتي تشترك كأبناء عمومة ولكنها تستقل وكل ينفرد عن الآخر.
وفي مجال الرؤية ( رؤية الهلال ) وهي التي يثار حولها الجدل السليم والعقيم ، يشارك بعض الفلكيين هذا الجدل خارجين عن النص والتخصص وكأنه لا بد من تواجدهم وبقوة في الأوساط الجماهيرية حتى ولو بالقوة وكثرة الحضور، في حين المطلوب من الفلكي مشكورا أن يوضح الحاصل في مجاله ، كأن يقول : حصل الشروق الساعة كذا وكان وقت الاقتران الساعة كذا موضحا لحظة الغياب والدرجة التي غاب القمر عندها ، ويقف عند حد الاثبات والنفي ، دون الدخول في مسألة إمكانية الرؤية أو عدم الرؤية ، فهذا ليس من شأنه ، فإن تناولها فقد خرج عن النص ، فإن رؤية الأجسام بالعين من اختصاص الطبيب ومن إدراك صاحب العين نفسه ، هو الذي يقرر .و أما الفلكي فمهمته توضيح وضع القمر وزاوية سقوط أشعة الشمس وابتداء انتقال ضوء الشمس بعد المحاق ، كما أن الجغرافي يبين حالة الأفق ومقدار العوالق وتراكم الغيوم وليس له علاقة بكون هذه العوالق تسبب الحساسية أو تسبب احمرار العين أو تزكم الأنف ، وتقريره بناء على معطيات ثابتة وليس رأي اجتهادي.
وختاما ، هل زار أحد منكم طبيب العيون ؟
ألا ترون أن طبيب العيون ( مختص البصريات ) يضع الجهاز على العين ثم يحدد بعض الدرجات التقريبية ليحصرها في أرقام قليلة ؟ ولكنه لا يقرر أن واحدة من تلك العدسات هي المناسبة دون غيرها ، و يسأله الزائر هل هذه مناسبة ؟ أو تلك أوضع منها ؟ وهكذا حتى يختار الزائر نفسه أنه يرى بتلك العدسة أوضع من غيرها ، وهذا دليل على رؤية العين لا يحكمها معيار محدد على الأقل حتى الآن ، لا يمكن أن يقال عنه 1+1 = 2 ، ولكن لكل عين قدرة تختلف عن غيرها فلا الفلكي ولا غيره هو الذي يقرر أن هذا القدر من الضوء يمكن رؤيته وهذا القدر لا يمكن رؤيته ، فإذا دخل الفلكي في هذا الجدل خرج عن النص.
فرجاء أيها الفلكيون ابقوا في تخصصكم كفانا جدلا عقيما من بعضكم يكاد أن يكون فتنة.
الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم