.
.
هنا أذكر موقفا فيه الجمع بين التضحية والخسارة المالية وأيضا الصبر على الظن غير الحسن من أجل هدف أكبر وأعز.
هذه قصة حقيقية وليست من نسج الخيال وإن كان في أسلوب غرضها شيء من الزيادة أو القصور.
الكل منا يعرف قيمة الهدية ، ويقدر المبادرة لما يعزز جانب التواصل ، وأول هذه الوسائل هي الهدايا والصلة بما يؤكل أو يقتنى ، والعديد منا يعرف أساسيات وأصول مقابلة الهدية و الوصل ، ومن ذلك الفرحة بما قدم لنا واستلامه بشيء من الفرح ولو ظاهريا حتى ولو لم تكن لنا حاجة في تلك الهدية أو الوصل الذي قدم لنا ، فقد يقدم لنا شيئا مما يؤكل أو يقتنى ونحن لدينا أضعافه ولكن من باب الأصول مقابلة المهدي ببهجة وابتسامة ، ويتوج هذا القبول بفتح الهدية والنظر إليها بإعجاب وقبول ، فإذا كانت تؤكل فيفضل تقديمها فورا ومشاركة المهدي في تناولها لكي تكتمل سعادته ويشعر أنه قدم الشيء المناسب ووافق الحاجة والقبول.
الموقف الذي حصل هو أن هدية من كيك طبقات الشوكولاتة أو نوع من هذا القبيل ، لست خبيرا في مثل تلك التي تعد للحفلات وما شابهها ، إلا أن قيمتها تزيد على 150 ريالا ، قد حرص مهديها على تسليمها فور دخوله ثم جلس ودار الحديث وتبادلت الحوارات والمناقشات في جلسة عادية غير متكلفة ، وكان المستلم لها أحد الشباب والمكان استراحة كبيرة فيها أشجار ونخيل و مياه جارية ..الخ ، ومن حرص الشاب على انتظار المزيد من الحضور للمشاركة في هذه الهدية ذهب بها إلى مكان خفي و بعيد عن الأنظار ولم يضعها بيننا ، كعادتنا في مثل هذه الحالات ، نأتي بالقهوة وبعد مدة يسيرة واكتمال الحضور نقدم الشاي ومن ثم عرض ما لدينا مما يؤكل سهلا ونافعا وخفيفا.
في الفترة التي اختفت الشوكولاتة عن الأنظار لم تكن في ثلاجة ولكنها كانت على طاولة قريبة من مكان بارد وأشجار ، وللأسف كانت على فور وضعها صارت وجبة شهية للنمل الأسود الذي اعتقد أنها مقدمة له ، فسمى بالرحمن وبدأ يقطع فيها أخاديد ويحفر فيها حفرا ، ويستخدم جميع خبراته في عمليات النحت والقطع والنقل والأكل. وفي خلال ربع الساعة التي كانت بين جيوش النمل الأسود كادت تختفي معالمها وصارت الأرض حولها تتحرك نقاطا سوداء وكأنه لم يبق نملة في الكون إلا وهي حاضرة تقتسم نصيبا لها أو تشهد حالة الخراب.
ليست المشكلة هنا ، فالنمل نقول له : بالهناء والشفاء ، وليست هذه الشوكولاته مدار الاهتمام ولم يحسب حسابها من قبل ، وإنما المشكلة أنها جاءت هدية وصاحبها ينتظر قيامنا بالأصول التي عادة تقابل الهدية بها، والمكان بعيد عن المحلات والبيع والشراء ولا بديل عنها.
أرسل لي الشاب رسالة جوال باعتباري شاهد لواقعة الاستلام والتسليم لا أكثر ، وإلا فأنا في تلك اللحظة في طرف من المسؤولية وعلى هامشها. يقول في الرسالة ( الكيكة تطلبك الحل ، ماتت ، والنمل أكلها)
أرسلت له ( خسرناها ، فلا نخسر سعادة الشخص المهدي و لا تجرح شعوره ، اكتم الموضوع حتى ولو عاد علينا هذا الأمر باتهامنا بالنقص..
مرت الفترة كأطول فترة في انتظار نتيجة ، وكأننا طلاب في قاعة اختبار يريدون المغادرة بعدما وصلوا إلى طريق مسدود يوصل إلى الإجابة ، وكان الأمل الوحيد أن يعم النقاش والحوارات والجدل العقيم وغير العقيم ، ويظن صاحب الهدية أننا نسينا تقديمها .
وبالفعل مرت تلك الفترة وقدم كل شيء إلا هي ، والنمل في تلك اللحظة هو أسعد مخلوق في الاستراجة. وتفرق المجلس وكل ذهب إلى شأنه .
بقيت هذه الواقعة في طي المجهول وبين هاجس القلوب فالكل في نفسه شيء من الكيكة المفقودة وتساؤل يدور بلا جواب ويتردد يبحث عن قناعة لكن دون جدوى ، لكن من المؤكد أننا احتفظنا بشعور ذلك الرجل الطيب الذي أهدى لنا هدية عبرت لنا عن إحساسه بنا وصلته حتى ولو نالنا بعض اللوم ، واختفت حيثيات الواقعة وأما الخبر اليقين فهو عند الشاب وعندي وعند النمل الأسود.
الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم