.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
منذ عدة سنوات نزل البعض ضيوفاً عند رجل بالرياض، ولم يكن لديه نقود ليجلب لهم وليمة كما هي العادة، ولأنه خاف من الانتقاد عند أقاربه لم يجد وسيلة سوى أن يبيت ليلته بالسجن كي يكون الحبس عذراً له عن الضيافة!.
أبلغهم أنه ذاهب للمطعم، ثم قاد "موتوره" وقطع إشارة مرور، لكنه لم يجد دورية تلاحقه، فكرر الحركة نفسها بأكثر من إشارة، ولما يأس ذهب إلى إشارة بجوارها دورية وانتظر حتى أضاءت الإشارة حمراء ثم ضرب "البوري" كي ينبههم وواصل طريقه !!، وتحقق له ما أراد فأوقفته الشرطة وبات ليلته بالسجن!.
بعض من يحكون تلك النكتة يقسمون أنها حقيقة، لكن لم يعد القسم مهماً، فقد أصبحت حقيقة اليوم، حيث أصبح البعض يمتنعون عن زيارة أقاربهم بسبب البذخ والإسراف بالولائم، فلابد أن يقابل تصرفهم هذا رداً مماثلاً من جانب "المعزوم" وربما كان الشخص متوسط الحال لا يستطيع رد "العزيمة" فيتوقف عن زيارة من عزمه دفعا ًللإحراج !.
وإذا كان هذا يحدث بالأيام العادية فماذا سيكون الحال في رمضان ؟! ..
المشكلة الكبرى أن يحدث هنا بيننا نحن كمسلمين، فهو مناف تماماً لتعاليم الدين ووصايا النبي، ويقول الشيخ سعود الشريم في خطبته بالمسجد الحرام إن المبالَغة في ما يشق على الإنسان خروج عن الأدب النبوي، فالنبي-صلى الله عليه وسلم-وهو خير عباد الله وأكرمهم وأجودهم لم يكن متكلِّفًا، وهو الذي قال له ربه : )قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ( (ص: 86) أي: من المتصنعينَ المتحلِّينَ بما ليسوا من أهله.
كما قال الشيخ إن التكلف الذي يغلف معظم العادات الاجتماعية يخرجها عن سيطرة العقل والمنطق، إما هروبًا من تعيير، أو طلبًا للمباهاة، وإما شدًّا لانتباه الآخرين، وكثير من تلك العادات أوقعت أصحابها في الديون، وفَرَّقَتْ بين أُسَر، ودخل بسببها البعض السجون، وكثيراً ما أبعدت القريبين، وأفقرت أهل الكرم، وضاعت بسببها بركةٌ النفس والمال والولد.
قد يظن البعض أننا لا نحب الكرم، لكن هناك فرق كبير بين الكرم والإسراف والبذخ، فالإسراف هو مجاوزة الحد في الإنفاق، ولذا كان الدكتور غازي القصيبي رحمه الله يقول إن مفهوم الكرم لدى العرب دخل إلى دهاليز التبذير والتفاخر، وانحصر لديهم في ذبح قرابين اللحم والشحم. في حين أن الكرم قد يكون ابتسامة بوجه من تساعده بموقع عملك، أو تمنح وقتك ومجهودك لمن يحتاجه. كما أن المثل نفسه يقول "من الألفة ترك الكُلفة".
أما من يحولون رمضان لشهر الأكل فهؤلاء لم يأخذوا من الشهر الكريم سوى جوعه، وبدلا ًمن أن يتذكروا الفقراء فإنهم يملئون البطون فقط، لا الروح. وليس رمضان عندهم سوى مجرد شهر تسمين وتفاخر بإنواع الأطعمة ، لا وقتاً للعبادة والروحانية والابتعاد عن كل ما يغضب الله.
الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم