• ×

09:22 مساءً , السبت 21 ديسمبر 2024

ناصر عبد الله الحميضي
بواسطة  ناصر عبد الله الحميضي

حلال الدولة

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
.


كنا نسمع بين الفينة والأخرى عبارة " حلال الدولة " أو حلال الحكومة ، وهي تعني في الغالب الممتلكات العامة ، وأما الحلال الآخر فهو حلال كل فرد وما يخصه ، و هذا يعني في المفهوم عندهم أن الملكيات العامة حلال الدولة هي التي تصرف عليها وتراقب إصلاحها ومتابعة ما يجري عليها بل وهي أقدر على الإنفاق عليها وحمايتها ، وكأن هذا الحلال أو الممتلكات لا ينتفع بها إلا الدولة ولن يخسر إلا الدولة فيما لو تلف شيء منه .
هذه العبارة " حلال الدولة أو حلال الحكومة " صارت مع تكرارها في معرض عدم الاكتراث بها ومرادف لعدم الاهتمام بما يجري عليها ، ومرادف لمعاني خذ ولا تهتم وانتقص ولن تحاسب ، وأن المحافظة عليها يعد تطوعا وتفضلا لا واجبا ومسؤولية ثقيلة ، وأيضا فإن حلال الدولة يحق لك أن تتصرف فيه دون حلال يخص الآخرين .
سادت تلك العبارة يؤكدها واقع يأخذ فيه الناس موقفا سلبيا تجاه المرافق العامة وحلال الدولة فلا يحافظون على شيء منه ، ولا يهتم بعضهم بما يحصل منه أو من غيره من تفريط في حلال الدولة ، سواء كانت عهد تخصها ، مثل لوازم سير العمل في الدوائر الحكومية أو خارجها مما يخص الدولة أو أي تمويل وتموين والدقة فيه ، بل وما يصرف لصيانة المنشآت أو السيارات واستخدامها ..الخ
وهو تعامل مع طول ألفته ومدته لا يرونه فسادا يستحق الإصلاح أو إهمالا يمكن أن يحاسب عليه المفرط ، ولكن جرت العادة على عدم المحافظ من البعض على حلال الدولة فهناك من يراقب حلالها ويرعاه ، فقد تخرب السيول مستودعات وتتلف محتوياتها وقد تتعرض آلة غالية الثمن بسبب عدم متابعة صيانتها والمحافظة عليها أو سيارة لا يرفق عليها ولا يحسن استخدامها أو منشأة تتعرض للكثير مما يتلف مرافقها ، وقد تخزن أقلام أو أوراق أو كراسي وأحبار ..الخ وبعد مدة يكتشف أنها تلفت جراء اهمالها في مستودعات لا هي صرفت ولا هي سلمت من التلف.
حتى أن عبارة أخرى تستخدم عند بعضهم وهي أن " الدولة جزور " ومعنى أنها جزور أي أنها جزلة العطية واسعة العطاء و غنية وليست في حاجة للإلتفات إلى شيء يسير يمكن أن يؤخذ منها لحاجة ، والجزور هي واحدة الإبل ، ومعروف أن الابل وافرة اللحم قوية الظهر قادرة على أن تحمل الأحمال الثقيلة وإن أكل لحمها أشبعت الكثيرين وبقي الكثير.
وكانت بدايات الدولة تنظر إلى وضع المجتمع بشيء من العطف ومراعاة حالات الناس من الحاجة والفقر ، وتمدهم بالكثير من الدعم والمعونة من مواد غذائية ولباس ونقد ، وقروض للمزارعين وأيضا تعويض عن أي أضرار تحصل وتجري عليهم أو كوارث..الخ
ولهذا اعتبروها قوية وهي بالفعل قوية وغنية ولن تتأثر ببعض التجاوزات غير المقصودة والتي جرت مرارا ، وفي الوقت نفسه تتغاضى عن الفقير والمحتاج وعن الكثير مما يحصل ودمح الزلات كان ديدنها ، أو تكون المحاسبة أقل حدة وأكثر تغاضيا ومرونة ، باعتبارها مظلة الجميع.
ومع طول المدة صار للمفهوم والوصف بـ " حلال الدولة " انعكاس سلبي ، وربما يسري في شريحة أكبر لولا أن الكثيرين يراعون سلامة الذمة والاخلاص في العمل ويحاولون بكل جهدهم حفظ الحقوق وتأدية الواجب برقابة ذاتية ولا فرق بين حلال الدولة كملكيات عامة أو ملكيات الأفراد والمؤسسات الخاصة ، وأنها كلها تدخل ضمن المحاسبة إن لم تكن في الدنيا فهي في الآخرة أشد ، وقد سار المفهوم جنبا إلى جنب مع المفهوم الخاطئ الذي يفرط في ما يخص الدولة ويحرص على حلاله وملكيته الخاصة ولا يحرص على ملكية عامة ، فسيارته الخاصة يحافظ عليها وسيارة الدولة أقل اهتماما منه بها.
هذه الاشكالية ليس من السهولة تغيير النظرة حولها و اقتلاع جذور تمددت في المجتمع وكونت أساسا منذ القديم ، ليس من السهولة التخلص منها وإحلال البديل في وقت قصير ، ومعروف أن البديل هو : " الأمانة " و أن عز الوطن وسلامته تكمن في المحافظة عليه بكل منظومته و جوانبه ومقدراته و تفاصيله والحرص على حلاله الذي هو حلال الجميع وتكون العيون كلها رقيبا أمينا على حركة البناء في نهضته لا يسمح لمن يخل بالمسيرة ، ومن يفرط في القليل لا يؤتمن على الكثير ولا على شيء من المسؤوليات ، وتعديل مفهوم عبارة " حلال الدولة " وأنه ليس من أوليات اهتماماننا ، لكي يكون مفهوما إيجابيا يقول : وطننا في حاجة لأمانة شعبه والمحافظة عليه وأنه من أوليات ما نهتم به .

 0  0  1.0K


جديد المقالات

بواسطة : الإعلامي الدكتور : فلاح الجوفان

. تجلت الإنسانية في أبهى صورها ، عندما تعرض "...


بواسطة : عبدالعزيز عبدالله البريثن

. آه .. ويح من فقد أمه، ولم يقبلها في ضحاه، أو...