اختلف العلماء حديثاً وقديماً حول طبيعة الشورى إن كانت واجبة علي الإمام أم مندوبة. ففريق من العلماء ذهبوا إلى أنها واجبة منهم أبو بكر الجصاص وفخر الدين الرازي وابن جرير والطبري وابن كثير وابن تيمية, ومن المحدثين محمد عبده ومحمد رضا وسيد قطب وغيرهم, وأدلتهم في ذلك كثيرة منها قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر} (آل عمران:159). وهذا النص واضح وقاطع لا يدع مجالاً للشك في أن الشورى مبدأ أساسي من مبادئ النظام السياسي الإسلامي وقيمة عليا يجب على الأمة أن تستمسك بها دائماً وتحت جميع الظروف. وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأمرهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (الشورى:38) والنص يفيد أن الشورى من خصائص الإسلام التي يجب أن يتحلى بها المؤمنون سواء كانوا يشكلون جماعة لم تقم لها دولة أم كانوا يشكلون دولة قائمة بالفعل. ويري الشيخ محمد عبده دليلاً آخر على وجوب الشورى من القرآن الكريم وهو قوله تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأمرونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران:104). وأدلتهم من السنة كثيرة سواء منها القولية أو الفعلية روى أبو هريرة t (ما رأيت أحداً أكثر مشورة من رسول الله r, ومن ذلك استشارة الرسول r لأصحابه في الخروج يوم بدر وفي المنزل الذي ينزله عندها وفي الخروج أو البقاء في المدينة يوم أحد وفي مصالحة قطفان يوم الأحزاب علي ثلث ثمار المدينة وغر ذلك كثير . وأوجز ذلك القرطبي بقوله (الشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام, من لا يستشر أهل العلم فعزله واجب).
فريق آخر من العلماء منهم الشافعي والغزالي وابن حزم وابن قيم الجوزية والماوردي وغيرهم يرون بأن الشورى مندوبة, ويحتجون بأن الأمر الوارد في الآية 159 من سورة آل عمران هو للندب لا للوجوب, وأن المقصود من هذا الندب هو تطييب قلوب الصحابة, ثم أن النبي r لم يشاور المسلمين في أمور كثيرة منها صلح الحديبية مع أهمية ذلك في حياة المسلمين, وكذلك قتال بني قريظة حيث أمر بلالاً أن يؤذن في الناس داعياً إياهم للمسير للقتال قبل الصلاة (من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة). فضلاً عن أنه لم يشاور المسلمين في غزوة تبوك, وكذلك فعل الخليفة أبو بكر الصديق في كتابه إلى خالد بن الوليد يحثه على مشاورة أكابر الصحابة (فان الله تبارك وتعالى موفقك بمشورتهم), وقد أوجز ابن القيم ذلك في بقوله (من الفوائد الفقهية.. استحباب مشورة الإمام رعيته وجيشه) ويرد الحديث الشريف (ما تشاور قوم إلا هداهم الله لأفضل ما يحضرون). فتعين أنها للندب لا للوجوب, فمن استشار يثاب ولا يعاقب من ترك, ولكنه يكون ترك أمراً مشروعاً فيه خير للمسلمين.
والرأي الراجح بين الفقهاء هو انه يجب على الحاكم مشاورة الأمة في الأمور العامة بحيث إذا تركها الحاكم كان للأمة أن تطالبه بها وأن تبدي رأيها ولولم يطلب منها فيما قد يكون لها فيه رأي.
واختلف العلماء حول قضية هل أن نتيجة الشورى في محصلتها ملزمة أم غير ملزمة. ذهب البعض (وهم جمهور علماء السلف وبعض المعاصرين) إلى أن نتيجة الشورى غير ملزمة فهي (معلمه بلغة الفقهاء) فهي ليست ملزمة للإمام فلا يجب عليه أن يفعل ما انتهت إليه أكثرية المشيرين, وإنما يكفي أن يشاورهم ثم يمضي بعد ذلك فينفذ ما يراه راجحاً, ويستدلون علي ذلك بقوله تعالى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ} (آل عمران:159) إذ يذهب هؤلاء إلى أن معني هذا النص أن للرسول r أن يأخذ بما انتهت عليه الشورى أو يدعه, كما يستدلون ببعض مواقف الرسول r خاصة قضية صلح الحديبية حيث أمضاه النبي r رغم معارضة بقية الصحابة علي ذلك, وموقف الخليفة الصديق في إنفاذ جيش أسامة بن زيد رغم معارضة بقية الصحابة علي ذلك, وموقفه من حرب الردة التي خالفه فيها أصحابه وكذلك موقف عمر بن الخطاب في عدم تقسيم أرض السواد وجعلها فيئ للمسلمين رغم معارضة بعض الصحابة على ذلك.
ويبقى أن نشير إلى أن نظام الشورى الإسلامي يختلف كثيرًا عن النظم الديمقراطية الوضعية، فالديمقراطية التي تعتبر حكم الشعب للشعب، ينتج عنها أن الشعب هو الذي يضع دستوره وقوانينه، وهو السلطة القضائية التي تحكم بين الناس بتطبيق القوانين الموضوعة، وحتى يتمكن الشعب من مباشرة سلطة التشريع، ووضع القوانين، والفصل بين السلطات، يتم اللجوء إلى إجراء انتخابات عامة، والتي ينتج عنها اختيار مجموعة من الأفراد، يكونون قادرين على مراقبة سائر السلطات، فمن حق هذه الهيئة المنتخبة عزل الوزراء، ومحاسبة المسئولين وعلى رأسهم رئيس الدولة.
ومع وجاهة هذا الأمر إلا أن نظام الشورى الإسلامي يختلف عن هذا التصور؛ فالشورى في الإسلام تقوم على حقيقةٍ، مفادها أن الحكم هو حكم الله المنزَّل بواسطة الوحي على رسول الله، الذي يُعدُّ الالتزامُ به أساس الإيمان، والعلماء هم أهل الحلِّ والعقد، وهم على رأس رجال الشورى، وليس للعلماء مع حكم الله في إطار الشورى إلا الاجتهاد في ثبوت النصِّ، ودقَّة الفهم، ورسم الخطط المنهجية للتطبيق.
والحقُّ أن النظام الديمقراطي يَسْهُل التحايل عليه، من خلال سيطرة بعض الأحزاب أو القوى على العمل السياسي في دولة من الدول، ومن ثَم يفرض هذا الحزب، أو تلك الفئة وجهة نظرها على الأمة، لكن الشورى تجعل الهيمنة لله وحده، فتُعْلِي حُكْمه وتشريعه على سائر الأحكام والتشريعات، فتؤدِّي إلى ظهور رجال يعيشون في معية الله، ويخشونه بصدق.
فريق آخر من العلماء منهم الشافعي والغزالي وابن حزم وابن قيم الجوزية والماوردي وغيرهم يرون بأن الشورى مندوبة, ويحتجون بأن الأمر الوارد في الآية 159 من سورة آل عمران هو للندب لا للوجوب, وأن المقصود من هذا الندب هو تطييب قلوب الصحابة, ثم أن النبي r لم يشاور المسلمين في أمور كثيرة منها صلح الحديبية مع أهمية ذلك في حياة المسلمين, وكذلك قتال بني قريظة حيث أمر بلالاً أن يؤذن في الناس داعياً إياهم للمسير للقتال قبل الصلاة (من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة). فضلاً عن أنه لم يشاور المسلمين في غزوة تبوك, وكذلك فعل الخليفة أبو بكر الصديق في كتابه إلى خالد بن الوليد يحثه على مشاورة أكابر الصحابة (فان الله تبارك وتعالى موفقك بمشورتهم), وقد أوجز ابن القيم ذلك في بقوله (من الفوائد الفقهية.. استحباب مشورة الإمام رعيته وجيشه) ويرد الحديث الشريف (ما تشاور قوم إلا هداهم الله لأفضل ما يحضرون). فتعين أنها للندب لا للوجوب, فمن استشار يثاب ولا يعاقب من ترك, ولكنه يكون ترك أمراً مشروعاً فيه خير للمسلمين.
والرأي الراجح بين الفقهاء هو انه يجب على الحاكم مشاورة الأمة في الأمور العامة بحيث إذا تركها الحاكم كان للأمة أن تطالبه بها وأن تبدي رأيها ولولم يطلب منها فيما قد يكون لها فيه رأي.
واختلف العلماء حول قضية هل أن نتيجة الشورى في محصلتها ملزمة أم غير ملزمة. ذهب البعض (وهم جمهور علماء السلف وبعض المعاصرين) إلى أن نتيجة الشورى غير ملزمة فهي (معلمه بلغة الفقهاء) فهي ليست ملزمة للإمام فلا يجب عليه أن يفعل ما انتهت إليه أكثرية المشيرين, وإنما يكفي أن يشاورهم ثم يمضي بعد ذلك فينفذ ما يراه راجحاً, ويستدلون علي ذلك بقوله تعالى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ} (آل عمران:159) إذ يذهب هؤلاء إلى أن معني هذا النص أن للرسول r أن يأخذ بما انتهت عليه الشورى أو يدعه, كما يستدلون ببعض مواقف الرسول r خاصة قضية صلح الحديبية حيث أمضاه النبي r رغم معارضة بقية الصحابة علي ذلك, وموقف الخليفة الصديق في إنفاذ جيش أسامة بن زيد رغم معارضة بقية الصحابة علي ذلك, وموقفه من حرب الردة التي خالفه فيها أصحابه وكذلك موقف عمر بن الخطاب في عدم تقسيم أرض السواد وجعلها فيئ للمسلمين رغم معارضة بعض الصحابة على ذلك.
ويبقى أن نشير إلى أن نظام الشورى الإسلامي يختلف كثيرًا عن النظم الديمقراطية الوضعية، فالديمقراطية التي تعتبر حكم الشعب للشعب، ينتج عنها أن الشعب هو الذي يضع دستوره وقوانينه، وهو السلطة القضائية التي تحكم بين الناس بتطبيق القوانين الموضوعة، وحتى يتمكن الشعب من مباشرة سلطة التشريع، ووضع القوانين، والفصل بين السلطات، يتم اللجوء إلى إجراء انتخابات عامة، والتي ينتج عنها اختيار مجموعة من الأفراد، يكونون قادرين على مراقبة سائر السلطات، فمن حق هذه الهيئة المنتخبة عزل الوزراء، ومحاسبة المسئولين وعلى رأسهم رئيس الدولة.
ومع وجاهة هذا الأمر إلا أن نظام الشورى الإسلامي يختلف عن هذا التصور؛ فالشورى في الإسلام تقوم على حقيقةٍ، مفادها أن الحكم هو حكم الله المنزَّل بواسطة الوحي على رسول الله، الذي يُعدُّ الالتزامُ به أساس الإيمان، والعلماء هم أهل الحلِّ والعقد، وهم على رأس رجال الشورى، وليس للعلماء مع حكم الله في إطار الشورى إلا الاجتهاد في ثبوت النصِّ، ودقَّة الفهم، ورسم الخطط المنهجية للتطبيق.
والحقُّ أن النظام الديمقراطي يَسْهُل التحايل عليه، من خلال سيطرة بعض الأحزاب أو القوى على العمل السياسي في دولة من الدول، ومن ثَم يفرض هذا الحزب، أو تلك الفئة وجهة نظرها على الأمة، لكن الشورى تجعل الهيمنة لله وحده، فتُعْلِي حُكْمه وتشريعه على سائر الأحكام والتشريعات، فتؤدِّي إلى ظهور رجال يعيشون في معية الله، ويخشونه بصدق.
الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم