إنشاء صناديق احتياطية للتقاعد حتى تكون سنداً لأنظمة التقاعد المعمول بها في المملكة أعتقد أنه طوق النجاة لانظمة التقاعد من التعثر و بات الحل الوحيد لإشاعة الطمأنينة في نفوس العاملين في القطاع العام والخاص الذين ينظر كثير منهم إلى اليوم الذي سيتقاعد فيه وكأنه نهاية الحياة فما بالنا لو تقاعد ثم لم يجد أيضاً معاشاً يأكل منه؟!.
تصاعد الشيخوخة ورغبة الكثيرين في التقاعد المبكر لا شك يٌلقي بأعباء كبيرة على أنظمة التقاعد خاصة عندما ندرك أن نسبة التقاعد المبكر تصل إلى 90 % في القطاع التعليمي بين المعلمين والمعلمات ، فيما تصل بين الإداريين إلى 85 %، وهو قطاع واحد فقط من قطاعات الدولة، فما بالك بالقطاعات الأخرى؟.
وفي المجمل العام فإن عدد المتقاعدين بالمملكة يُتوقع له أن يرتفع إلى 1.17 مليون في عام 1444هـ بمعدل ارتفاع سنوي 7.6 %، كما ستزيد المبالغ التي ستصرف كمعاشات سنوية إلى 116 مليار ريال.
وإذا نظرنا إلى المتقاعدين في نظام التأمينات فسنجد أن عددهم ارتفع إلى 146ألف متقاعد، خلال الفترة من 1424هـ حتى 1435هـ وبمعدل نمو سنوي قدره 19.76 %، كما ارتفعت المبالغ المصروفة على معاشات المتقاعدين عن نفس الفترة إلى 12.5 مليار ريال "خلال عام 1435هـ" بمعدل ارتفاع سنوي قدره 49.7 %.
أما عام 1450هـ فيتوقع أن ترتفع المبالغ المصروفة على جميع حالات المعاشات إلى أكثر من 34 مليار ريال وذلك بمعدل ارتفاع سنوي قدره 10 % .. فهل أدركنا الآن حجم الأزمة التي يزداد نموها كلما ارتفع عدد المتقاعدين وكلما ارتخت الجهود الباحثة عن حلول مناسبة لمواجهة العجز في المعاشات مستقبلاً؟.
وإذا نظرنا إلى المشاكل التي تواجه أنظمة التقاعد بصفة عامة فسنجد أننا لسنا الوحيدين في ذلك لكننا سنشهد أيضاً أن الدول الأخرى تحاول حل المشكلة عبر إجراءات خاصة قد لا تعجب الكثيرين لدينا، فالحكومة المغربية مثلاً رفعت سن الإحالة على التقاعد إلى 65 سنة بدلاً من 60 سنة ، نظراً للاختلالات المالية التي تهدد قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها خلال السنوات المقبلة، كما أن ألمانيا اتخذت قراراً منذ سنوات برفع سن الإحالة إلى التقاعد إلى 67 عاماً، ومعها أيضاً فرنسا التي جعلت سن التقاعد 62 عاماً بدلاً من 60 سنة.
وقالت فرنسا في تبريرها لما فعلته العام 2010م : " إن المدة التي يدفع خلالها العامل ضريبة التقاعد لا تُسهم في حلّ المشكلة خلال السنوات العشر المقبلة، لذلك قررنا رفع السن القانونية للتقاعد على نحو ما فعلت الحكومات الألمانية والإيطالية والبريطانية والإسبانية والدانماركية والهولندية والسويدية والنرويجية".
أما بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط برمتها فالبنك الدولي يطالب منذ عام 2005م بإصلاح أنظمة المعاشات التقاعدية فيها وضرورة اتخاذ سلسلة من الإجراءات لإجراء عملية إصلاح تدريجي لتلك الأنظمة بعد أن أصبحت كما قال البنك غير قابلة للاستمرار، وحتى تتفادى بلدان المنطقة الوقوع في أزمات بالمستقبل.
الدعوة إذن إلى إنشاء صناديق احتياطية تبدو ضرورية جداً قبل الغرق في المشاكل التي تنذر بالوقوع خلال السنوات المقبلة ، فبإمكان تلك الصناديق أن تواجه المشكلات التمويلية التي تعرقل عمل صناديق التقاعد المدني والعسكري والتأمينات الاجتماعية، لاسيما ونحن نشهد يومياً مطالبات مستمرة برفع حد المعاشات حتى تتناسب مع متطلبات الحياة ، وهي مطالبات مشروعة لكنها تتحطم دائماً على صخرة الواقع الذي لا يعترف سوى بالأرقام؛فمستقيل الاجيال القادمة امانة في اعناق جيلنا الحالي.
والواقع أن رفع حد المعاشات التي يتقاضاها المتقاعدون بدون رفع سقف التمويل والاشتراكات سيعجل كثيراً من عجز أنظمة التقاعد، أما في حالة الصناديق الاحتياطية التي نتحدث عنها فإن استثمار الاحتياطات المالية التي ستنشأ من خلاله يمكنها أن توفر الغطاء اللازم للدعم المالي ، خاصة إذا توفر لتلك الصناديق دعم من الفائض السنوي للحساب الختامي للدولة -رعاها الله- وما يُخصص لها أيضاً من الميزانية العامة، فضلاً عن العوائد الناتجة عن استثمار موارد تلك الصناديق والهبات والوصايا المتبرع بها، والموارد الأخرى التي يتم تخصيصها لها.
وبذلك لا يكون الصندوق معتمداً فقط في استمراريته على اشتراكات الموظفين والمستحقات المقتطعة من الرواتب كحال الأنظمة المعمول بها حالياً، وهذا من شأنه أن يزيح من فوق كاهله عبء التمويل ، ويصبح مستقبله مأموناً إلى حد كبير، كما يتحرر التقاعد المبكر وقتها من المشاكل التي يتسبب بها حالياً ، ويصبح حلاً فعلياً لمشكلة البطالة بما يوفره من وظائف شاغرة للأجيال الأصغر سناً.وبهذا اوجدا حلا لمشكلة عجز الصناديق وتوظيف الشباب ؛.واخيرا وليس اخرا هل دمج مؤسستي التقاعد المدني والعسكري والتأمينات الاجتماعية في كيان واحد هو حل للمشكلةالمستقبلية للمؤسستين؟
الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم