• ×

08:48 صباحًا , الأحد 22 ديسمبر 2024

يوسف بن عبدالعزيز المهنا
بواسطة  يوسف بن عبدالعزيز المهنا

الشريهي بين مكة وشقراء

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
image
الشيخ عمر الشريهي - رحمه الله


عمر بن عبد الله بن مطلق الشريهي من الشراها هم وآل ماضي أسرة واحدة يقال لهم آل مطلق من ذوي ناصر من المقاحصة من الروسان , ولد في الدوادمي بعالية نجد عام 1318 هـ وقيل قبل ذلك وهو المُثبَت في الوثائق الرسمية له, انتقل مع أهله لشقراء في طفولته حيث أخواله فنشأ بها ودرس في كُتّابها فأتقن القراءة والكتابة وحفظ أجزاءً من القرآن الكريم وتعلم مبادئ العلم فيها, وكان والده عبد الله بن مطلق له علاقة قديمة بشقراء وأهلها تجمعه بهم وشيجة الرحم والمصاهرة تزوج فيها بـ طريفة بنت عمر آل جلاّل من بني زيد, وهي أم أولاده فأنجبت له عمرا هذا - فسمي باسم جده لأمه - وبقية إخوته وهم محمد عاش معظم حياته في البحرين وتوفي بمكة المكرمة، وإبراهيم انتقل من شقراء آخر عمره وتوفي في الدوادمي وعبد الرحمن مات شابا صغيرا .
وكان عبدالله الشريهي - والد عمر- جوّاب آفاق يسافر للبيع والشراء وجلب البضائع في المواسم لمكة والمدينة وغيرها إلى أن قدّر الله عليه في الثلاثينيات الهجرية أن يموت مقتولا على يد قطاع الطريق وقتل معه من أهل شقراء رجل من آل جلال وكانوا في قافلة قادمة من العراق لهم فيها بضائع يريدون بيعها في المدينة فكان قدرهم أن تكون نهايتهم هناك في الطريق إلى المدينة قريبا منها فأخذت القافلة وقتل من قتل غفر الله لهم.
زاول الشريهي ــــ رحمه الله ـــ البيع والشراء في شقراء أول شبابة ثم رحل الى الحجاز وسكن مكة المكرمة وتزوج فيها زوجته الأولى (من السراحين) فأنجبت له ولدين توفيا صغارا ، ثم طلقها. وال سرحان من أبناء عمه القريبين من الروسان من المراوحة من عتيبة ومنهم أهل المعابدة ـــ حي من أحياء مكة المعروفة ــــ منهم الشاعر والاديب المعروف حسين السرحان ،
كان الشريهي عصاميا صاحب همّة عالية ونظرة ثاقبة واستشراف للمستقبل .عمل مع شريك له في محل قريب من الحرم وهو أول عمل تجاري مارسه هناك مكث فيه مدة إلى أن تحصل على رأس مال من عمله وكدحه ثم عاد لشقراء وعمل في التجارة والبيع والشراء وكانت تحتضن سوقا رائجا وحركة تجارية نشطة, يعتبر من أهم الأسواق التجارية في نجد آنذاك ، وفيها الكثير من التجار المعاصرين له من أمثال عبدالعزيز آل عبدالكريم وصالح ال شريم (جريّد) وعبدالله وعبدالرحمن الجميح وابن ربيعة ومحمد بن علي الصبيّ (الأشرم) وابراهيم بن عبدالكريم (سبتي) وعمر وصالح آل مقرن وتجار من آل جاسر وال مانع وال بيز وال سدحان وال عيسى وال ابابطين وال نافع وغيرهم , وله علاقة بالكثير منهم في شقراء وبغيرهم من تجار الرياض والقصيم وخاصة عنيزة وبريدة وبعض تجار الاحساء له مع بعضهم مراسلات تجارية كثيرة اطلعت على بعضها خاصة مع إبراهيم بن صالح المهنا في الاحساء له به علاقة قوية وبينهما مراسلات كثيرة وفيها عن البيع والشراء وحركة السوق والأسعار تكشف جانبا مهما من جوانب الحياة الاقتصادية والتجارية في الأربعينيّات والخمسينيّات الهجرية وما بعدها. وأما علاقته بتجار الحجاز فكانت علاقة قوية حيث القرب والجوار له مع الكثير منهم في مكة وجدة والمدينة مراسلات وتعامل تجاري كبير.
واشتهرـــ رحمه الله ـــ عند الجميع بصدق المعاملة والوفاء وأداء الحقوق , وله مع أهل شقراء علاقة خاصة ومنزلة مرموقة توطدت بعد أن تزوج فيها بـ حصة بنت عبدالكريم ال صالح من بني زيد وبقي في شقراء عدة سنوات يعمل في التجارة فكان له حضوره ومكانته عندهم , ثم سمت به نفسه وارتقت به همته فانتقل إلى مكة المكرمة أم القرى مقصد الناس ومهوى الأفئدة , قرّر رحمه الله الانتقال إليها بعد أن كوّن أسرة وبيتا صالحا فصحبته زوجته إلى مكة وتركت أهلها وعشيرتها وانتقلت إلى هناك فقامت بما يجب عليها من حق الزوج ورعاية الأبناء وتدبير البيت وصبرت على فراق الأهل والأقارب والبلاد فعوضها الله عز وجل زوجا صالحا وذرية طيبة وبلدا مباركا تضاعف فيه الأعمال الصالحات والصلاة فية عن مائة ألف صلاة , وكانت امرأة صالحة بقيت في مكة بعد وفاة زوجها ثمان عشرة سنة و توفيت عام 1410هـ .
سكن رحمه الله شعب عامر ـــ بمكة شرفها الله ـــ في دار فسيحة على أربع جهات وهو في الأصل عبارة عن بيتين كبيرين , ثم انتقل إلى بيته الآخر في الجودريّة في سوق المُدّعى قريبا من بازان التمارة وكان بناؤه قديم فأعاده وجعله ستة أدوار على النمط المكي القديم وعاش فيه إلى آخر حياته. بقيت هذه الدور إلى أن نزعت ملكيتها وهدمت لصالح توسعة الحرم الشريف وكان بيته مفتوحا للزائرين من شقراء ونجدعامة يضع عنده من يأتيه متاعه وحوائجه فيجد الجميع عنده من الإكرام وحسن اللقاء والبشاشة وبذل المعروف ماينسيهم مشقة الطريق وعناء السفر .
عمل رحمه الله في محل تجاري يملكه في المدّعى قرب الحرم لبيع الأقمشة والسجاد وغيرها وعمل مستثمرا في التجارة والعقارات وبناء المساكن والمحلات وتأجيرها في مكة وجدة والطائف. ثم عمل في شراكة مع تجار آخرين كعبد العزيز الكعكي (رجل الأعمال المعروف) في استثمارات متعددة وبناء وحدات سكنية بالطائف وبيع وشراء العملات الأجنبية وسبائك الذهب. وله علاقة تجارية برجل الأعمال محمد بن لادن وخاصة أثناء تنفيذ الطريق بين مكة و جدة . ومع تجار آخرين في مجالات مختلفة في الحجاز وغيرها وعمل في الاستثمار في أسهم العديد من الشركات ويمتلك حصة كبيرة آنذاك في شركة كهرباء الغربية (شركة الجفالي سابقا).
وللشيخ عمر الشريهي رحمه الله أعمال خيرية في مكة المكرمة والطائف والدوادمي والوشم وغيرها وقد تكفل رحمه الله بحملة حج خيرية في السبعينيات الهجرية وما بعدها في كل عام على نفقته الخاصة لمن لم يحج من فقراء الدوادمي وماحولها يتكفل بجميع ما يلزمهم من نقل وسكن وضيافة ونحوها إلى أن يرجعوا إلى أهلهم . وله مبرة سنوية لفقراء تلك المناطق في كل سنة يرسل ثلاث سيارات من نوع (ماك) محملة بالاغذية واللباس والكساء ونحوه توزع على الفقراء في عالية نجد والوشم والقصيم . وله في شقراء إسهام ومشاركة في بناء وتوسعة الجامع الكبير في البلد آنذاك عام 1355هـ وله البئر المعروفة ب (الشريهيّة) وكانت جنوب الجامع يرد عليها الناس وهي واحدة من أشهر المساقي والاسبلة الموقوفة على جامع شقراء القديم آنذاك وقد أزيلت في التوسعة عام 1386هـ وأصبحت في الشارع الواقع جنوبي الجامع ولم يعد لها أثر اليوم .
كان رحمه الله بعد استقراره في الحجاز يشتو بمكة ويصيّف بالطائف وله به دار رحب ومجلس عامر يرتاده فيه بعض أصدقائه ومحبيه في فترة الضُحى من كل يوم عدا يوم الجمعة . وكان بيته في وسط الطائف القديم بحي(حارة أسفل) قريبا من سوق البلد ومسجد الهادي. وشمال بيته يقع خان الملطاني وهو خان عثماني يحتوي على دكاكين من صفين متقابلين وسقف الخان على هيئة عقود حجرية ذات طراز معماري جميل . وكانت داره فسيحة كثيرة المنازل من ثلاثة أدوار لها باب ضخم من الخشب المشغول وله رواشن ومشربيات خشبية جميلة كبقية منازل الحجاز القديمة .
كان رحمه الله على دراية بالأحداث متابع لأخبار العالم عبر المذياع و يقتني من الصحف والمجلات ماكان متاحا ويصلهم ، وكانت جريدة القبلة التي تصدر في مكة المكرمة عنده في المجلس بمنزله القريب من الحرم المكي ، وكان يهتم بها ويضعها في مجلدات يحتفظ بها ويعتني بالوثائق والكتب وبعض الصحف والمجلات المصرية القديمة لاحتوائها على جزء هام من تاريخ وأحداث له بها شغف واهتمام. وكان يحب مصر ويقضي بها كل عام قرابة الشهر بأوائل الصيف في وادي النيل وله بها أصدقاء منهم الطبيب عباس كرارة له به معرفة قديمة وعلاقة وثيقة أثناء وجوده بمكة.
كان رحمه الله صاحب عبادة كثير الذكر والصلاة وقراءة القرآن والجلوس في المسجد رحمه الله وله مكان معروف في الحرم الشريف من يريده من أقاربه أو أصدقائه أو غيرهم يجده فيه وعادة يجلس بين المغرب والعشاء من كل يوم ، وفي الطائف له مكان معروف بالصف الأول في مسجد (جامع) الهادي في وسط سوق الطائف.
توفي رحمه الله في يوم 26 من شهر صفر لعام 1392 هـ في مكة المكرمة وصلي عليه في الحرم الشريف ودفن بها. وله من زوجته حصة الصالح ابنه الوحيد محمد وثلاث بنات . ومحمد بن عمر هذا توفي رحمه عام 1406هـ وله من البنات ثلاث و من الأبناء عمر ومنصور رجلي أعمال ولهم في مكة ذكر وحال حسن ولهم شركة خاصة بهم بالإضافة لأعمال تجارية مستقلة لكل منهما في مكة وجدة والرياض ولهم أبناء وذرية وفقهم الله وبارك فيهم ورحم الله آبائهم وغفر لنا ولهم .


image
رسالة بخط عمر الشريهي لابراهيم المهنا


وقفت على رسائل كثيرة بخطه رحمه الله كان قد أرسلها لبعض التجار في الاحساء وشقراء والشعراء وغيرها. أوردت في هذا المقال أنموذجا واحدا من رسائله لبعضهم. فقد كتب رحمه الله للشيخ إبراهيم بن صالح المهنا في الاحساء مانصه :-

بسم الله الرحمن الرحيم
من مكة إلى الحسا في 23 رجب 1353
من عمر بن عبدالله بن مطلق إلى جناب الأخ المكرم الحاج إبراهيم الصالح المهنا حرسه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته على الدوام موجب الخط السلام مع السؤال عن صحت حالكم لنا مدة ما وصل منكم خط بعد تاريخ 6 جماد 2 سنة 1353 فنرجوا الله المانع خير وتقدم لكم منا جملة كتب إن شاء الله وصلت وانتم بخير وعافية وعرفناكم بما يلزم إن شاء الله وصلت الخطوط وانتم بخير وعافية وخط ابن سليمان إن شاء الله وصل وعرضتوه على الطويل وانتم محل النفس ابذلوا الجهد والتوفيق على الله ربنا يجزاكم عنا خير من طرف الذي وصيناكم عليه المشالح إن شاء الله روحتوها والهدم إن شاء الله نجّزتوه والبنديره إن كان ظهرتوها سداد على نظركم وعرفناكم إن حصل زل رخيص مناسب إن كان تركي او عربي صغار او كبار لكن رخيص على نظركم اللي تورون الوكيل الله ثم انتم وعرفناكم انه كل ما خصم من التحويل خذوا به عوض ان كان هيل او خام او قهوه او بفت وشماغ او مرضوف وظهروه لاي جهه الرياض ابو نيان شقراء ابن ربيعه عنيزه العقل بريده صالح الشويرخ وعرفوهم انه يخصنا ونحن على كل حال ان شاء الله ما نذخر المساعدة لكم في تحويله على الهند اوتحصل ربيات لكن هالايام مع قلة الحاج قليل ربنا يحسن الاسباب ويحمدنا واياكم العاقبة ويجزاكم عنا خير الاسعار طرفنا الذهب 21 ريال الربيه 22 عربي23 ريال السمن المنّ18 ريال هدم زوليه رخيص وقليل... خام فرده 8 بفت قليل شماغ درزن 15 ريال نصر الله 13 ريال قهوه قنطار جنيه 13 وربع هيل فراسلة جنيهين شاهي فراسلة جنيه وحد عشر هرر 15 ريال بكّه 11 ريال بكّه كبير جنيه وواحد ريال هذا ما لزم سلم لنا على العيال ومن عز عليك وعلى عبدالله بن علي وعبدالله بن ربيعه ومنهو عزيز عليك.أول الحاج وصل بابور به نفر عدد 860 يوم 23 عرفناك سابق عن التمر ان شاء الله صدرتوه لنا ان كان قلال او تنك لكن احرص على العبو الجيد لاجل البيع عندنا بالوزن نرجو الله تجتهدون في تحويله وتخليصه وما بعدكم حسافه لكن مما معنا ربنا لا يعدمنا وجودكم هذا ما يلزم وسلم على الربع وان حصل مشلح جبر طيب وبر او مرينه ابيه لي لكن طيّب روحوه على يد ابو نيان إذا كان لازم خدمة تشرفونا .
_________________________________

الهوامش :
1 - زودني بمعلومات وافية وتفصيلية عن الشيخ عمر الشريهي - رحمه الله - سبطه الدكتور : عبدالله بن علي البيز حفظه الله ورعاه استفدت منها وضمنتها هذا المقال .
2 - للشيخ عمر الشريهي رحمه الله ذكر في ( ديوان الاوقاف في شقراء ) وخاصة صبرة بعض الدور التي يملكها في وسط البلدة القديمة . انظر ( دواوين الاوقاف القديمة في اقليم الوشم ) . يوسف المهنا . ص 107, 122, 140 .
3- الحسا : الاحساء أكبر محافظات المنطقة الشرقية وأهمها. ذكرها ابن المقرب تـ 629 هـ بالتخفيف في أكثر من موضع فقال :
يا حبذا وادي الحساء فانه * لو ساءني واد إليّ محبب
ديوان ابن المقرب تحقيق الحلو ص 85, 435, 640 .
وقال ابن بطوطة تـ797هـ ثم سافرنا منها إلى مدينة هجر وتسمى الآن بالحسا " بفتح الحاء والسين وإهمالهما " رحلة ابن بطوطة 1/133
4 - إبراهيم بن صالح المهنا آل غيهب أحد أعيان الاحساء وتجارها ولد في الهفوف عام 1316هـ ونشأ بها وتعلم في كتّابها انتقل اليها والده من شقراء واستقر بها ورث تجارة أبيه فتضاعفت ونمت كثيرا. له مواقف مشرّفة وأعمال جليلة توفي سنة 1397هـ .
5 - البنديرة : من أنواع الأقمشة ويسمى المرضوف وغالبا مايكون باللون الأحمر.
6- البفت : قماش ابيض من القطن وغيره .
7- القنطار : معيار وزن . ومقداره 143,8 كيلو غرام وقيل أكثر .
8- الفراسلة : معيار وزن . مقداره 20 رطلا وقيل 80 كيلوغرام , يعرف بكثرة في الحجاز واليمن
9- البكّة : من أنواع الأرز .
10- البابور : من السفن البحرية المعروفة آنذاك .


 4  0  10.2K


الترتيب بـ

الأحدث

الأقدم

الملائم

  • مرسول

    اللهم أنفع بالأستاذ يوسف وبعلمه ,,, شكرا صحيفة شقراء

    06-03-2015 02:47 مساءً

  • سمي عمي الشيخ عمر الشريهي

    جزاك الله خير ابوعبدالعزيز على هاذا المقال المختصر الذي يعني لي الكثير بما انه عمي وسميت على اسمه رحمة الله واسكنه جنات النعيم
    انا عمر بن ابراهيم الطخيس وسماني ابوي الله يطول بعمره ويعافيه على عمي عمر اخو جدي ابراهيم الشريهي وكنت دايماً اسمع عن من سميت عليه
    من ابوي و كبار السن رحم الله من توفى منهم واطال عمر من بقى.

    09-03-2015 06:58 مساءً

  • خالد محمد الشريهي

    نشكر الاخ يوسف على نشر سيرة العم عمر رحمه الله وموتى المسلمين وغفر لهم

    للتصحيح الماضي والمطلق يجمعهم الشريهي

    زوجته التي تزوجها في مكه هي من بني عمه هيلة بنت سعد الشريهي ( رحمهما الله )
    وهي خالة والدي وليست من السراحين

    23-03-2015 10:02 صباحًا

  • اراهيم العبد الكريم

    يشكر الأستاذ يوسف على ما يثرى به أشياء مهمة في تاريخ شقراء وأعيانها جزاه الله خير الجزاء

    30-03-2015 02:33 مساءً

جديد المقالات

بواسطة : الإعلامي الدكتور : فلاح الجوفان

. تجلت الإنسانية في أبهى صورها ، عندما تعرض "...


بواسطة : عبدالعزيز عبدالله البريثن

. آه .. ويح من فقد أمه، ولم يقبلها في ضحاه، أو...