في أحد المجالس استمتعت بقصة جميلة بعنوان ( كنز ابن جربوع)، وهي قصة جميلة في سردها ومعانيها بغض النظر عن صحتها أو كذبها، الأهم أنها لا تخالف العقيدة، ولا تؤثم في نقلها أو كتابتها أو التحدث بها. و أحببت كتابتها لكم.
"ابن جربوع" شخص من سكان نجد، ويعيش حياته اليومية فيما يكسبه من رزق النقل على حماره، ومضت به السنون طويلة وهو على حاله هذا لم يزدد غنى، ولم ينزل للفقر. وحاله كحال الشخص الطموح الذي يرغب في تحسين مستوى دخله وزيادته، ولكنها محاولات ضاعت سدى، فالحمار له طاقة والنقل له سعة، والرزق فيها محسوب، ولكنه شخص مؤمن بما رزقه الله صابرٌ محتسبٌ.
وتوالت تلك الليالي كثيراً حينما تأتيه في المنام رؤيا، يأتيه فيها صوت يقول له: رزقك في القدس(1)، تكررت تلك الرؤى كثيراً، وبدا قلقاً من كثر التفكير بها ومدى صدقها من اضغاثها، واستشار زوجته بتلك الرؤى فهي رفيقة دربة وشريكة حياته ورزقه، طال بهما الحديث كثيراً وتداولا الفكرة بعمق أكثر ، وقالت له: أنت سعيت كثيراً دون كلل أو ملل لزيادة رزقك والتوسع بما نحن عليه، ولعلها رسالة لك للسفر وكسب الرزق هناك، فالله سبحانه وتعالى يقدر الأرزاق وأوقاتها وأماكنها لكل إنسان. فأذهب إلى القدس وانظر ما كتب لك الله من رزق.
فقام ابن جربوع ببيع حماره واشترى لأهله ما يكفيهم في غيابه وجهّز متاعه وذهب للقدس، ومضى في طرقاتها وأزقتها، وهو يتأمل ويسأل نفسه: إلى أين أنا ذاهب وماذا أفعل؟، وإذ هو في تلك الغياهب الفكرية وعواصف الفكر تلوك أفكاره، مرَّت بقربه عربة مليئة بعناقيد العنب يجرها حمار عليها مزارع فلسطيني جلبها لكي يبيعها في السوق، وإذا بعنقودي عنب يسقطان من العربة ويسارع بالتقاطهما، وهو ينادي على صاحب العربة ليقف، ويقول له: لقد سقط منك هذان العنقودان وحملتهما لك، فقال له المزارع الفلسطيني إنهما رزقك . وهنا... توقفت عجلة الوقت لبرهة وصاحبنا ينطق بالقول مما جال بخاطره وبصوت عال محبط: (تركت قريتي من أجل الرزق في القدس وإذا بالرزق يكون عنقودين من العنب). فرد عليه المزارع: ما هي قصتك؟ ، فقال هي رؤيا تكررت كثيراً تقول لي ان رزقي في القدس، وها انا ذا وطأت القدس. وأنت تقول لي رزقي عنقودان من العنب، فقال له المزارع: ما احمقك؟ وهل تصدق كل رؤيا تأتيك؟!.
يقول المزارع وهو يخاطب ابن جربوع : جاءتني رؤيا مراراً وتكرارًا تقول لي: ( الكنز تحت مربط حمار ابن جربوع في نجد) ولكنني لم أصدقها ومقتنع بما أعمل به وأجني منه رزقي. فلمعت تلك الكلمات كبرق سطع في ظلام ورعد أزعج في سكون فكر ابن جربوع وصمت... وشكر المزارع، ومضى في حال سبيله
وعلى الفور تجهز لرحلة العودة لأهله .. وفوجئت زوجته بعودته السريعة... وسرد لها ما دار بينه وبين المزارع. وذهب لمربط حماره الذي باع وبدأ بالحفر إلى أن وجد صندوق الكنز المليء بالذهب ، وكان سبباً في ثرائه وتجارته.
القصة ممتعة ومعانيها أيضاً وكما أسلفت لا يهم إن كانت حقيقة أو كذباً ولكن فيها معاني تستحق الوقوف عندها. كلمة "الرزق" وهي أساس الموضوع وهي ما يجنيه الإنسان من مال أو غيره بسبب تجارة أو حرفة أو وظيفة. وهو ما يحقق لنا غاياتنا الأساسية، لنعيش ونسكن ونأكل ونحقق ما نريد حسب مستويات الطموح لدينا مقارنة بما نكسب.
هناك من يلوم الحكومة إذا لم يجد له وظيفة بغض النظر عن تحصيله العلمي، وبنفس الوقت لا يلوم نفسه على عدم سعيه طلباً للرزق. الرسول (صلى الله عليه وسلم) امتهن رعي الغنم ليكسب رزقه، وعمر بن الخطاب (رضي الله عنه) جمع الحطب وباعه.. ، طلب الرزق هو أساس رئيسي لحياة الإنسان والقرآن الكريم مليء بالآيات التي تحضنا على السعي في طلب الرزق لتكون سبباً فيما كتبه الله لنا.
من الأمثلة القديمة التي أحفظها ( ديرتك اللي ترزق فيها وليست التي تولد فيها). وهذا ما جعل المهاجرين الأوائل للمنطقة الشرقية من كبار تجارها وأثرياها ... فجميعهم أتوا من بلدات مختلفة.. ولكنهم رغبوا في الرزق الوفير والتجارة الكبيرة.
خاتمتي لما بدأت، الأرزاق مقدرة من عند الله (سبحانه وتعالى) ويسبب الأسباب لنا لكي نكسب أرزاقنا، فابن جربوع ذهب للقدس لكي يلتقي بالمزارع الذي قال له إن الكنز تحت مربط الحمار. قبل النفط هاجر بعض من سكان الجزيرة العربية إلى الهند وعمان والبحرين والعراق وبعضهم للشام. بعضهم عاد وبعضهم لم يعد وبعضهم انتهت به الحياة هناك.
الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم
ابوزيد
القصة جميلة
ولاكن ليتك ماذكرت ان هناك من يلوم الحكومة لعدم وجوده وظيفة !!
04-01-2014 05:06 مساءً
ماهر البواردي
ونظل مختلفين ولكن للافضل ...
جمل الله أعمالك وافعالك بما يرضيه.
05-01-2014 12:25 مساءً
ماهر البواردي
(1) القدس قبل الاحتلال الصهيوني لها
نسيت وضعها في هامش المقال
04-01-2014 08:51 مساءً
فهد ابو محمد
05-01-2014 07:14 مساءً
ابو حسين
السلام عليكم / القصة حولنا واقعة . هذا ان صحت الرواية .
لكن الموضوع عن الرزق (( دور عليه ، اي اسع وجد في الطلب ولكن لا يكون على حساب الصحة والأوقات الفاضلة
من الصلاة وصلت الأرحام ، ولا تلقي الوم على الأخرين ولا تنتظر الرزق ينزل عليك من السماء ، نحن مأمورين
بفعل الأسباب المشروعة ))
أخي أبو خالد طرحك للموضوع بقصة شيقة هذه أقصر الطرق لفهم مرادك يا أستاذي المحترم .غرد. وشكرا.
08-01-2014 09:34 مساءً
ماهر البواردي
الله يسعدك في نواياك وافعالك، فعلاً .. كلامك هو الزبدة التي كُنت احوم حولها.. نجتهد لنكسب. مافيه جنة بليا صلاة. واما القصة فهي جميلة جداً في معانيها ... وتظل قصة..
تقدير لكم واحترامي لكم
المقال القادم ( الحسد .. العين .. والسحر)
09-01-2014 10:23 صباحًا