• ×

04:24 صباحًا , الأحد 22 ديسمبر 2024

admincp
بواسطة  admincp

النكتة ليست دائما مضحكة

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
داية أقول أن مجتمعنا قديما وحديثا مجتمع مرح ولطيف محب للمواقف المفرحة ولحظات السعادة والإسعاد ، يتميز في مجمله بدماثة الخلق وطيب المعشر ، وفيه الابتسامة التي تبهج الخاطر التي جاءت نكتة اليوم لتحل محلها ،لكنها ليست مثلها ولا شبيهة بها ، لأن الابتسامة كانت مستمدة من طرافة نقية ومن سرعة بديهة ومن بساطة غير متكلفة.

لم أفاجأ وأنا أرى وأسمع العديد من شبابنا ، بل والأطفال وهم يستخدمون أحدث الأجهزة وقنوات التواصل الراقية التي صنعت لكي تستخدم في الرقي لم أفاجأ من هبوط مستوى تفكير البعض منهم واستخدامهم لأسقط العبارات وأضلها من كل النواحي ، الدينية على وجه أخص والاجتماعية ، يرددون نكتاً لا يمكن أن تكون مضحكة على الأقل للقلب المثقل بالهموم ، والمهتم بمبادئه وأخلاقياته ، وذلك لأن معظم النكات تطعن قبل أن تعطي واجهة مريحة تدعو للابتسام .

النكتة أحبتي جاء بها من قبلنا لكي تكون فسحة في ساعات متعبة وحط لهموم لا لمزيد من الآثام ، ووظيفة النكتة المساهمة في تخفيف ثقل أعباء الحياة لكي تمر بقية ساعات اليوم بسلام واطمئنان وراحة .

ليست النكتة مجرد ضياع للوقت واستخفاف بالعقل وإنما من مسماها يفهم مغزاها ، حيث يتوقع أن تنكت أثرا في السامع وهذا الأثر إيجابي شاف وليس سلبي يزيد المرض أمراضاً.

هكذا هو معناها اللغوي ، نكتة : يعني أثر ، ونكت في قلبه شيء يعني أثر في قلبه شيء.

كان مجتمعنا قبل الانفتاح المؤلم يتمسك بالكثير من المكارم ولا يزال ولله الحمد ، ويتربى الجميع على حسن العبارة واحترام الكلمة وجمال الأدب وعدم الانزلاق في سفاسف الأمور أو إلحاق الإهانة بأحد .

كل ذلك خوفاً من الله أولا فالكلمة لا تطير في الهواء بل تسجل ولديها رقيب يحاسب عليها قائلها ولا يفلت من تبعاتها كما يحاسب سامعها على ما يبادر به من انفعال إيجابي معها أو سلبي قبولا أو رفضا أو امتعاضا ، سواء أضحكت أو لم تضحك ، ولكن بعد الانفتاح عبر الأرض والفضاء اجتاح العقول الهشة أثر هذا الانفتاح ، فوافق ضعفاً وتمكن ، وهذا الضعف شامل ، أوله عدم تقدير مسؤولية الكلمة وقلة الخوف من الله ، و أيضا عدم وجود أساس ثقافي يتكئ عليه من يريد المشاركة بالنكتة ويكون مع المجموعة فاعلا.

الكل يريد أن يكون مشاركا متواجدا فاعلاً مع من حوله من الناس ولا يريد أن يكون منغلقاً ، ولكن لا يكفي التمني مالم يؤسس له بشيء مفيد .

للأسف كانت الأساسات التي بنيت عليها بعض النكت الوافدة هزيلة مثل كلمة ( المحشش ) ومن هنا نعرف تبعاتها وأنها عنصر غريب مكروه ، فكلمة محشش لو قلناها أيام أجدادنا الذين يتهمهم البعض بأنهم أميون لا يقرأون ، لو قيلت في زمانهم لأوسعوا قائلها ضرباً لسوء الكلمة والتجرؤ على نطقها ولن يمرروها قبل معرفة معناها ، لن يتجاوزوها إلى الضحك ، ذلك لأن معرفتهم بمعناها وما تجر إليه من وبال على المجتمع تسكت في داخلهم أي معنى للابتسام ، ولأن قائلها يستهين بدين ومبادئ المجتمع و أعرافه وعاداته حتى ولو بكلمة واحدة.

يبدو لي والله أعلم أن بدايات النكت ومجالس الإضحاك جاءت مع ما يسمونه المؤانسة أو بث روح الأنس في مجالس الولاة والسلاطين والخلفاء في عصور المجون بعد ضعف الجوانب الدينية وغلبة اللهو وحب الدنيا وانفتاحنا على الأعاجم.

كانوا يتكلفون الإضحاك وسرد الخيالات و شعر الفكاهة وغيره ، أقول يتكلفون وليست تأتي عفوية مريحة جميلة مقبولة نابعة من موقف وعلى طبيعة من يقوم بها.

وكانوا يحصلون على المال الكثير من السلاطين وفي الوقت نفسه قد يصيبهم الأذى في حال سخط السلطان وغياب عقله

وبهذا نربط فكرة النكات والإضحاك المتكلف باللهو و الترف وانفتاح الدنيا ومن هنا تكون معظمها في وقتنا الحاضر موجعة غير مضحكة .

وأخيرا أقول : يمكننا أن نضحك ونبتسم لكن في مساحتنا الخضراء الواسعة المباحة الطيبة التي تسمى البساطة والتلقائية النقية التي ليس فيها العيب ولا المرفوض ولا غياب الأدب ولا حضور الكلام الساقط أو الاستهانة بديننا والأخلاق والعفة.

بواسطة : admincp
 2  0  1.7K


الترتيب بـ

الأحدث

الأقدم

الملائم

  • ماهر البواردي

    أشهد أنك جبتها على الجرح.


    بيض الله وجهك يابو عبدالله. كلام عن واقع مؤلم وكتبته لتخفيف ذلك الألم.


    رائع ما كتبت جداً

    08-10-2013 09:51 صباحًا

    • ناصر عبد الله الحميضي

      الجروح با أبو خالد واجد لكن الزمن كفيل بمداواة الكثير منها
      تسلم على المرور الطيب والمشاركة الأطيب
      كل التقدير لك

      09-10-2013 01:01 مساءً

  • ناصرعبدالله الحميضي

    بداية أقول أن مجتمعنا قديما وحديثا مجتمع مرح ولطيف محب للمواقف المفرحة ولحظات السعادة والإسعاد

    08-10-2013 02:27 مساءً

جديد المقالات

بواسطة : الإعلامي الدكتور : فلاح الجوفان

. تجلت الإنسانية في أبهى صورها ، عندما تعرض "...


بواسطة : عبدالعزيز عبدالله البريثن

. آه .. ويح من فقد أمه، ولم يقبلها في ضحاه، أو...