كان الأب و الأم في زمن الأمس يقرأون ما وراء الملامح و يعرفون أن هناك مؤثراً ما على أولادهم فورا ، حتى ولو كان التغير مجرد عارض بسيط كأن يكون الولد تضارب أو تجادل مع آخر في الطريق أو تلقى كلمة سلبية.
يعرفون الأثر ويقارنون الحالات ويرصدون في خفاء كل التحركات بشكل يشبه مقاييس الحرارة وقياسات الوزن والمعايير الدقيقة .
ليس لأنهم ــــ أعني الوالدين ـــ فيما مضى أكثر حرصا على أولادهم من الوالدين في زمننا هذا ولكن لأن البيئة السابقة بيئة نظيفة خالية من المؤثرات السلبية المتعددة والمتشابكة والمتتابعة ، حتى أننا كنا نميز الروائح الغريبة التي تطرأ على الروائح المعتادة كالبرتقال ، والليمون وما شابه ، ولو أن أحد من الأفراد دخن سيجارة على بعد ثلاث كيلومترات لشممناها .
ونعرف رائحة السيارة في البيئة التي ليس فيها سوى الأغنام والابل ، ونشم رائحة الصابون في الثياب والأيدي ، والسبب تفرد رائحة الطين والعرق .
أذكر أنني دخلت الدار فقابلني والدي وقال : وش فيك ياناصر؟! قلت أبد ما فيني شيء .
قال : إلا فيك شيء .. قالها بنبرة صوت قوية وكأنه يقول : أنت تكذبني وتشكك في مقياسي الدقيق لتعابير الوجوه.
قلت : أبد الاستاذ طاقني اليوم في المدرسة . قال : مقدي فيك ، كل النهار تلعب ، لو نعالك ما مسكت في رجليك كان ضيعتها .
إذا ، هم يكشفون التغيرات وتعبيرات الوجوه و ويقرأون لغتها ، لكن في الوقت نفسه لا يجدون في الغالب حلولا مناسبة فيما لو تبينت لهم المشكلة ، بل تتفاقم المشاكل من خلال كشفها إذا لم يوجد لها حل ، وأيضا هي مشكلة تؤرق صاحبها إذا ما كتمها وبقي يعاني منها.
بعض الناس يتابع أولاده ويشمشم ملابسهم بدافع الخوف و القلق عليهم و يفتش غرفهم مخافة أن يجد فيها شيئا ممنوعا كالدخان مثلا ، ولكن لم يكلف نفسه قراءة ودراسة ما يعانيه المراهقون والأطفال والشباب من مشكلات ويحاول الاطلاع على الحلول من خلال خبرات الآخرين والعلماء وأهل التجارب قبل أن يكشف المشكلة وتكون بين يديه .
لنفترض أننا عرفنا وتبين لنا أن أحد الأولاد بدأ في طريق كالتدخين وهو في سن صغير كالمتوسط ، وما أكثر المدخنين اليوم بين الطلاب ، والحاضن للأولاد اليوم هي البيئة بنسبة كبيرة جداً وياليتها بيئة آمنة مؤتمنة ، فماذا أعددنا من الحلول قبل التفتيش والتقصي والمراقبة ؟
سألت أكثر من واحد فقال : والله لا أدري كيف أعالج المشكلة غير أنني سوف أزمجر وأزبد وأرعد وأتوعد وأهدد وأملأ البيت صراخا وألوم الأم إن كانت تعلم بالمشكلة قبلي وألوم بقية العائلة ثم أسكت كأنني جهاز سحب منه سلك الكهرباء لأن إرادة التدخين من عدمها راجعة له هو ، إن شاء تركه وإن شاء استمر في الخطأ في غيابي أو حتى بعد موتي. وبهذا كأنك يا أبو زيد ما غزيت ، والهدف هو الصلاح للولد والاستقامة بلا شك وليس الهدف ينحصر في أن يطيعني في أوامري بدون قناعة أو يعصيني في غيابي فهذا أمر خارج عن القضية .
أقول : اليوم كثرت المؤثرات على الأولاد فأصبح الواحد منهم يدخل إلى البيت وقد تلقى سبعين ألف سلبية من مكونات البيئة المحيطة بنا ، لكننا لم نعد قادرين على قراءة الوجوه قراءة صحيحة لأن التلوث وصل حد التشبع ، فماذا عسانا نقرأ فنقرأ أو نقارن فنقارن ، وأصبحنا لا نملك التشخيص الصحيح الدقيق .
فقدنا كل شيء سواء الكشف المبكر أو طرق العلاج وليس في أيدينا سوى ( الوقاية ) فهي المتاحة في كل زمان ومكان .
وما دمنا ـــ ولا أعني المتخصصين ـــ لا نملك سوى الوقاية فماذا عملنا في مجالها؟
إنها خيارنا الوحيد اليوم في زمن ، الله أعلم بما وراءه .
الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم
ماهر البواردي
ابو عبدالله...
من البارح وأنا أهوجس بكلامك ، فتحت نوافذ جميلة للماضي وحاولت أن تجعل نورها يصل لحاضرنا لكي نستنير بتلك التجارب الجميلة.
من أول الشارع كان جزء من التربية والآن الشارع أصبح خطراً محدقاً بأطفالنا. يعجبني واحدن من أهل شقراء مخاوي ولده وعمره 12 سنة إلى الآن في كل روحاته وجياته ودراسته وتعاملاته. وأعتقد هذا ما نحتاج أن نفعله معهم.
لابد أن نحاول صناعة الرجل فيه مبكراً ونجعله يدوس على أرض المرجلة والأخلاق والتربية التي مشينا عليها. مما لاشك فيه أن الإنترنت وتطبيقاته والأجهزة أخذتهم كثيراً . ولكن بتقنين تلك تلك الخدمات نستطيع الحد من تأثيرها ( مثلاً نُقفل الإنترنت عند العاشرة ليلاً) لكي يكون هناك متسع للمارسة الحياة الحقيقة.
موضوعوك لاهب وأنت أجدت دور اللاعب في فكر المتلقي الواهب.
لمست الجرح الذي يخشى الجميع تلمسه.\
جاز لي بالحيل ما كتبت
اخوك/ ابوخالد
30-09-2013 10:30 صباحًا
ناصرعبدالله الحميضي
وتجربة ذاك الرجل المصاحب لولده منذ الصغر تجربة تستحق الإشادة والاهتمام بها واعتبارها نموذج الأب الواعي ، ولا أشك مطلقا في كونه أيضا قدرة صالحة لولده قبل كل شيء وبالتالي قد جاءت التربية بالنمذجة كونه نموذجا صالحا لولده وربما كان الوحيد أيضا في حينه مع الدعم القوي من خلال الدعاء له بالصلاح وحفظه من أي مؤثر ، وربما كان أيضا في زمن لم تكن المؤثرات بعد في أشد شرورها ، أسأل الله له ولك وللجميع كل توفيق وهداية ودوام الاستقامة
وصناعة الرجل مبكرا لها جوانب سلبية وإيجابية ، فبعضنا يركز على نقل ولده إلى الرجولة دون المرور بمرحلة الطفولة مما يجعله فاقدا لحلقة من حلقات مراحل نموه الطبيعي ، وقد يعود للحنين إلى طفولة متأخرة وينتقض كل ما بني
مثل بعض الكبار عندما يعود مراهقا في سن الشيخوخة
كل التقدير لك يا ابا خالد ، شدني قلمك ومشاركتك الواقعية
30-09-2013 07:14 مساءً