انتشر هذا الطبق كالنار في الهشيم في مجتمعنا, ويكثر وجوده في غرف المعلمات والمآدب النسائية، وتحرص كل منهن على الإبداع فيه بنوعية الورقة وانتقائها والحشوة المعمولة، وطريقة طبخها، بعضهن يضعن قطع بطاطس سميكة أسفل القدر لطبخها وبعضهن يضعن الحامض مع الطبخ... المهم أنه طبق لبناني من منطقة حوض المتوسط ، واصبح طبقاً رئيسياً في موائدنا.
ورق العنب والحمص والمتبل والتبولة وغيرها الكثير، ولا ننسى "داوود باشا" طبق تركي جميل مع الأرز الأبيض. ونخرج منه بتنوع لحوم "الستيكات" الأمريكية ولحمة الهمبورغر الشهيرة التي أصبحت وجبة رئيسية... يطول الحديث في هذا السرد والتعدد والتنوع. ومقالي ليس له علاقة بالمطبخ لكي أُكمل الباقي.
لماذا لم نستطع أن نُصدّر لتلك البلدان ( الكليجا والفتيت) أو ( المصابيب والمراصيع) أو ( القرصان والجريش). أو حتى المفطح ( رمز الكرم .. إن صح التعبير). لماذا لم نصدّر لهم ( الإقط والتمور ) . ومن أجل الاستزادة الإقط هو محاولة ناجحة من البدو في قديم الزمان لحفظ الطعام، وهو مخصص لأن يطحن ويخلط بالماء, ليصبح لبناً سائغاً للجميع.
قديماً كانت العباءة للمرأة ( تسمى البشت لدى البعض ) ساترة ستيرة للمرأة ، ولكننا استوردنا أفكار الآخرين لصناعة حشمة جديدة بمسميات العباءة الفرنسية أو المخصرة أو .... ( المهم أصبحت بعض العباءات أكثر إغراء من ملابس النوم الفاخرة في نعومي او لاسنزا). لم نستطع تصدير الحشمة بل استوردنا العُري. ألم نستطع أن نحافظ على مفهوم الحشمة ؟!.
نفتخر بملابسنا في أفراحنا والثوب منسوج بالصين ومحاك لدى يمني، والشماغ مصنوع بالصين مع الطاقية والعقال من سورية. هل نحن شعب استطاع أن يجعل الزي الرسمي منتشراً في العالم ، أم هو شعب بدأ يُقلد في لبس القصير من البرمودا والسراويل القصيرة؟ وتناسى موروثه ، فأصبحت أسواقنا وشوارعنا مليئة بالبشاعة من تلك المناظر. الدين يحض على الحشمة و عاداتنا تحض على الحشمة، وهناك من يكره الحشمة...!!
نتفاخر في قصور كبيرة، ونتباهى بالأثاث من فرنسا, والثريات من إيطاليا، والسجاد من إيران، والستائر من الإمارات ،،، وتستمر تلك النغمة. هذا ما يُسمى بضعف الانتماء للوطن، لأننا برمجنا عقولنا على أن تلك الدول هي الأفضل وهي الأدق، استوردنا بضاعتهم وفكرهم ، ولكن لم نفعل على النقيض من ذلك ما نحاول به استعراض مجالسنا القديمة وبيوتنا الطينية وتطويرها محلياً، لتصبح أيقونة مميزة لنا ، ونبدأ بتصديرها. ولن يحدث ذلك ، لأن مجالسنا بها الفخامة المستوردة وملاحقنا فيها التراث الجميل. وللعلم معظم منتجات الديوانيات القديمة وفرشها مستورد من الصين.
نحن شعب بدأ يفقد هويته شيئاً فشيئاً ، وليتنا على ذلك وحسب بل بدأ يفقد انتماءه. مثال بسيط،،، في أعيادنا نجد أطفالنا لا يلبسون الثوب والشماغ و البشت، بل تطوروا الى ملابس غريبة في هويتها. وفي إسكتلندا يلبس الرجال تنانير تقليدية لهم في كل مناسبة، ومعهم جزء كبير من الشعب. ونحن أصبحنا نستحي من الثوب.
أنا لست بمن يطالب بالمستحيل ليغير ثقافة شعب. ولست بذلك المؤثر ليطبع فكرة على عقولهم. ولكنني أقول: لنحافظ على جزء من هويتنا ولو في المناسبات ، لأنني أخشى أن يأتي يوما وتصبح خانة الجنسية في الهوية (بدون).
في النهاية ورق العنب أحببته عندما كانت خالتي ( رحمها الله) تُعده. والآن لا أستطعم أطباق ورق العنب المعدة في المطاعم، لا نعلم ماذا فعل العامل بيديه قبل أن يلف الورق. قبل 16 سنة كنت في مطعم" أوتار بمنطقة ذوق مكايل في لبنان" . ودار الحديث مع صاحب المطعم، وقال: ورق العنب تُعده فلانة في منزلها والحمص والمتبل وعدد كثير من تلك الأطباق. ولا عجب أنني كنت أستطعم ورق العنب لديه، فقد كان إبداع امرأة تعدت الستين ونكهة أكل المنزل بادية فيه .
الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم
عبدالمحسن العتيبي
ماقد جربته يا أبوخالد ؟!
يعطيك العافية على فكرتك ..
16-09-2013 04:31 صباحًا
ماهر البواردي
ماهقيتك ما تعرف ورق عنب. ولكنه طبق لذيذ أحياناً. والفكرة منك ومن غيرك ناخ>ها التواصل مع البشر يُثري الفكر.
ودمت بخير
17-09-2013 09:27 صباحًا
رامي
ما أجمل التفائل في المستقبل ياماهر ولكن نحن نتفائل وغيرنا يحطم تفائلنا سأروي لكم قصة بإختصار أحد أبناء منطقتي صنع طائرة وقام بالطيران بها بعدها لم يصنع شيء والسبب هو تفائله الزائد والذي قابله ردع عموماً أتمنى أن نصدر ونفتح المجال للشباب ليبدعوا ويرفعو راية التوحيد في المحافل العالمية في المجالات التي نفاخر بها وتشهد علينا يوم القيامة وليس في مجالات الرياضة والتي لا تغني ولا تسمن من جوع مع أنه رسالة تودي أغراض كثيرة ( لكن ربعنا ماحولك أحد )
عموماً هل ستعزمني على طبق ورق عنب في يم ما؟
كونوا دائماً بخير
ألتقيكم بحب
رامي
16-09-2013 10:58 صباحًا
ماهر البواردي
اناودي نرجع مثل أول ونشوف اللباس والهندام المحتشم من الجنسين ، وودي أننا ما نصدر تراثنا بأنواعه بل نصنع سلاحنا بأنواعه. وقتها بنصير أقوياء وعزتنا بديننا.
عزمتني على كليجا أبعزمك على ورق عنب
تحياتي
17-09-2013 09:29 صباحًا
ناصر عبد الله الحميضي
يكفينا من القلم المميز فكرته المتجددة وإطلالته بها
وبالنسبة للهوية التي تعني التحديد بهذا أو ذاك أنه : هو أو هي بالتحديد الذي يميزه عن غيره في الإطار العالمي لا المحلي فإنها تشمل الثابت والمتغير
فأما المتغير فهو قابل للتعديل والتبديل باستمرار ، وما لباسنا وطعامنا واسلوب حياتنا إلا من ذلك المتغير ، فقد كنا على وضع مختلف عما نحن عليه اليوم فأخذنا من المتغير وتركنا ما نحن عليه ايام أجدادنا ، سواء في اللباس أو طرائق واساليب الطبخ والموائد وحتى المساكن وغيرها.
وأما الثابت في الهوية فهو الدين ، والتاريخ واللغة
وبالتالي فالريش من المتغير وكذا المرقوق والقرصان ..الخ وسوف يكون من أكلات جدات أحفاد أحفادنا التبولة والسقهة وسيكون من الأكلات اليابانية بعد عمر طويل المرقوق والجريش والكمونية . لا أشك في ذلك مطلقا.
لكن الثابت في الهوية ومنها هو الذي يبقى دهورا ويتمسك به ويعض عليه بالنواجذ وقد حصل ، فمنذ زمن الرسول وصحبه الكرام صلوات الله على نبينا محمد ، وحتى الآن والدين يتعهده الناس المسلمون ويجددون ماندرس منه وكلما ران على القلوب من النسيان والغفلة جاء التذير بالأصل واشرقت نوره ، كذلك اللغة والتذكير بالتاريخ حتى أننا اليوم نحس بوجود خالد بن الوليد بيننا ، ومعارك الفتوحات في الشام والمشرق .
ولعى هذا فلا قلق إن شاء الله من تغير المرقوق ولا غزو ورق العنب ، ولو بحثنا في التاريخ فربما وجدنا ورق العنب من ابتكار جداتنا وسرقت الطريقة منا ، كما سرقت كثير من منجزاتنا ومكونات حضارتنا من قبل الأوروبيين ، لكنها من المتغيرات التي لدينا منها الرصيد الكبير .
كل التقدير لك
16-09-2013 09:48 مساءً
ماهر البواردي
يابوناصر تعليقك منطقي وسلس وينساب في الفكرة تماما. ولكن الا تتفق معي على أن موائدنا لاترتبط بتراثنا واكلاتنا(لا أعمم) قبل مائة سنة أو أكثر لم يكن الأرز من تراثنا الغذائي فقط الحنطة بالإضافة إلى اللحوم والخضروات التي تزرعها بعض القرى والبلدات. لذا أطباقنا الشعبية كانت تعتمد على القمح في المقام الأول. وهذا سبب منطقي. فالناس تأكل مما تزرع وتجني وتربي. لذا تجد بلدان حوض المتوسط غنية بتنوع أطباقها.
أيام أجدادانا كان هناك المرودن ( الثوب القديم ذو الأكمام الواسعة) وتطور بها المقام الى أن اصبح ثوبنا الحالي مشتق من المرودن، ولكن لبس الشورتات والبرمودات ليس له إشتقاق من الثوب.( ويطول الحديث تعمقاً .. ولكنني وددت الإختصار)
أما فيما يتعلق بالثوابت ، بلا شك نعمة الدين وثباتها هي اساس حياتنا وسعادتنا وقربنا لله عز وجل ولا يتجادل في هذه إلا أحمق أو كافر. ولكن بالنسبة إلى ثوابت اللغة. إختر من شئت وأجعله يكتب قطعة إنشائية أمامك وقتها سوف تعرف أن اللغة بدأت تتاثر. ( مثال بسيط: أنظر كيف يتكلم البعض مع العاملة المنزلية والسائق ) لتعرف انه سوف نصل يوماً لا نستطيع التكلم باللغة العربية الصحيحة. وهي بطريقها لتكونضمن المتغيرات.
المنجزات والإبداعات العلمية الإسلامية خرجت معظمها من غير العرب المسلمين . ولكن لم يبقى للعرب إنجازات سوى الأدب واللغة. هي في نهاية المطاف. التحول المستمر في سنن الشعوب. ونحمد الله ان الدين ثابت فيها.
مداخلتك مُثرية جداً للفكرة ولمن يقرأ، وهناك من يتفق معنا وهناك من يختلف ولكنه لم يكتب.
تعليقاتك بدأت أستمتع بها وبمضمونها أكثر من مقالاتي.
لك التحية ووافر التقدير.
17-09-2013 09:43 صباحًا
ابو حسين
السلام عليكم / تسلم يمينك ، دائمن تحاكي الروح ومشاكل المجتمع . بداية ورق عنب وحشوة الأصالة وختامنا
ذكر الأحباب والرجوع للموروث الحقيقي . مبدع فديت راسك . وشكرا.
22-09-2013 05:05 صباحًا
ماهر البواردي
اسعد الله يومك بيوم الوطن . جعل ايامك كلها فرح بهاليوم الجميل.
اخوك / ابوخالد
23-09-2013 10:06 صباحًا