• ×

04:47 صباحًا , الأحد 22 ديسمبر 2024

admincp
بواسطة  admincp

خريطة الذكريات لا يوجد لها صورة في الواقع

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
لقد احتضنتنا قرانا والمدن وأقاليمنا التي عشنا فيها زمن الفقر وشظف العيش ، وانصهرنا مع الظروف ، أحببناها من كل قلوبنا وتشربنا حبها لأننا عشنا طفولتنا وشبابنا وعمرنا بين أهلها ، وانعكست المحبة والألفة على معالمها الجغرافية والمكانية.

أصبحت صورة الإقليم كله مزيج من القبول فلا ندري مالذي يجذبنا بالضبط ، لكن من المؤكد أنه حب الموطن الذي يشاركنا صفته كل المخلوقات من البشر وغيرهم .

نفوسنا و أرواحنا تجد الأنس بين كثبان رملية وتلال وجبال صخرية ووديان جافة لا تنتج وليست ذات موارد وثروات و الريح تتردد بزوابع ودوامات مثيرة للغبار في كثير من الأحيان ومع ذلك نحبها.

نشعر بالارتياح بمجرد مكالمة بيننا وبين من يسكن فيها إذا كنا في غربة عنها تربطنا هناك مشاغل العمل ، ونتصورها في مخيلتنا بمعالمها وشخوصها التي رافقنا يوم غادرناها ، حتى في تعريفنا ببعضنا نستعيد من الذاكرة كل ما يصف الأشخاص ويعرفوا به ، نذكر أين يسكن فلان وأين يبيع ويشتري وشكل دكانه أو داره ، وبعض صفات مشيته أو صوته و تصرفاته رغم أن أغلبهم قد توفي وصار المكان أثرا بعد عين وزال من الدنيا تاريخهم وبقي في ذاكرتنا شيئا من تذكرهم الضمني الذي نحتفظ به وكأنهم لا يزالون في المكان .

من محبتنا للمكان وتاريخه وبوحنا بذلك وظهوره على كل تصرفاتنا وانفعالاتنا انتقل ذلك الحب لأولادنا إيحاء وتأثرا وانعكاساً طبيعيا وذلك من خلال ما يرونه فيها من شغف للمكان وأهله ، وبالتالي فهم وإن سكنوا في بقاع بعيدة إلا أنهم مثلنا تتوق نفوسهم للعودة لمحل نشأتنا وإقليمنا الذي يحتضن قرانا التي نتنقل بينها كل فترة ، فحبهم نوع من تظليل السعادة وشموله .

لكن وهنا يفترض أن نقف : كل شيء يتغير ، وكل شيء يتبدل ويتحول ، وقد نحلق في حبنا في فضاء من الخيال والذكرى الماضية التي لا واقع لها ولا وجود ، وهنا الخطورة في تلك المحبة والتعلق و الألفة التي تفتقد الرعاية والتجديد.

المعالم الجغرافية تبقى شاهدة وأغلبها شاهقة وثابتة قليلة التغير وأطول عمرا من السكان في كل مكان ، ولكن التركيبة السكانية في بلداننا متغيرة في فترات متقاربة ، وهي في الماضي بطيئة التغير لبدائية الوسائل ولكنها في الوقت الحاضر تتصف بالسرعة في تبدلها وتغيرها ، حتى أسلوب الحياة انقلب.

من هنا أقول أن بعضنا يعيش في الماضي ولا أقول في وهم الذكرى لكنه قريب منه ، إنه في الواقع يعيش غربة حتى في بلد نشأته ، لم يلتفت ويتنبه إلى أن قريته لم تعد هي قريته التي يعرفها ، لم تكن دورها الطينية هي القائمة اليوم ولا دكاكينها وأسواقها هي نفسها ، ولا صوت الباعة هم نفسهم ولا الطرائق الحياتية هي التي تركها في ذاكرته ، حتى البر الخارجي والحزوم والسهول المفتوحة والأفق الممتد الذي كان يعرفه ويطلق عنان البصر فيه والرجل لتمشي كيف تشاء وفي أي اتجاه هو نفسه ، بل اغتالته الأطماع وتقطع بالحواجز وضاق .

وأصبح من الضروري و الوسيلة الوحيدة لمن عاد لقريته بعد غربة سنين أن يصطحب معه كل ذكرياته التي غادر بها المكان وعلقت في ذهنه ، وخريطة الماضي التي لن يجد لها في أرض الواقع صورة ، وذلك لكي يبقى متخيلا لبعض ما يريح نفسه وهو في قريته التي تنكرت له لأنه غاب عنها وتنكر عنها ، إذا تاريخ الذكريات وأشرطتها المسجلة في رأس كل منها تعد وقاية من الاحباط الذي قد يقابله عندما يرى مسرح طفولته انتهى هذا إذا كان يريد العودة ومصر عليها ، تغيرت إما بالهدم والسقوط والتراجع والانزواء ، أو أنه حل فيها عمالة من كل بلد وبقية من أثاث قديم ، يفتقد كل شيء كان يتمتع به فيما مضى ، حتى سيارة النظافة لا تكاد تصل إليه لعدم أهميته في وقتنا الحاضر ، فالشمس أشرقت على معالم جديدة وعالم مختلف وتوارت كل الذكريات نحو الظل ، لم يعد يفيد فيها ترقيع وترميم ولا إنعاش إعادة الحياة التي فارقت الجسد.

بواسطة : admincp
 1  0  1.6K


الترتيب بـ

الأحدث

الأقدم

الملائم

  • ابومشاري

    من أشوف بيوت الطين متهدمه وأدري انها ذكرات ماتت وفارقتها الحياة
    وين شقراء القديمة وين ناس فيها
    يا ربي يا ذكرياتي
    أوجعني قلبي

    08-07-2013 06:41 مساءً

جديد المقالات

بواسطة : الإعلامي الدكتور : فلاح الجوفان

. تجلت الإنسانية في أبهى صورها ، عندما تعرض "...


بواسطة : عبدالعزيز عبدالله البريثن

. آه .. ويح من فقد أمه، ولم يقبلها في ضحاه، أو...