الْتَّغْيِيِرُ سُنَّةٌ مَاضِيَةٌ
دَوَامُ الحَالِ مِنَ المحَالِ.. والحقِيقَةُ المسَلَّمَةُ عَنْدَ العُقَلاءِ: أنَّ التَّغْييرَ سُنَّةٌ ماضِيَةٌ بِالرُّغْمِ مِنْ وُجُودِ مَنْ يُقَاوِمُهُ ويَصُدُّ عَنْهُ.. بَلْ ويُحَارِبُهُ إمَّا جَهْلاً وعَبَثَاً.. وإِمَّا كِبْراً وحَسَداً.. والتَّغْيِيرُ: سُنَّةٌ كَوْنِيَّةٌ.. وإِنْسَانِيَّةٌ.. وفِطْرِيَّةٌ.. وشَرْعِيَّةٌ... تُرَى مَاذَا حَدَثَ لِلْكَونِ والإِنْسَانِ مُذْ خَلَقَهُمَا اللهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى وحَتَّى اللَّحْظَةَ؟ أَلاَ تَرَى تَعَاقُبَ اللَّيْلِ والنَّهَارِ.. وفُصُولَ السَّنَةِ الأَرْبَعَةِ ومَا يَحْدُثُ فِيهَا مِنْ تَغْيِيرٍ... وإِذَا تَأَمَّلْتَ حَالَكَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ فِي دَوْرَةِ حَيَاتِكَ مُذْ وِلاَدَتِكَ وحَتَّى مَمَاتِكَ... مُسْتَصْحِبَاً أَحْوَالَكَ النَّفْسِيَّةَ والاجْتَمَاعِيَّةَ مِنْ سَعَادَةٍ وَفَرَحٍ.. وحُزْنٍ وأَسَى... تَلاَحِظُ الكَثِيرَ مِنَ التَّغْيِيرِ حَاصِلٌ لَكَ. والتَّغْيِيرُ المَنْشُودُ: هو التَّغْيِيرُ الإِيجَابِيُّ النَّافِعُ المُفِيدُ لِلإِنْسَانِ والبَشَرِيَّةِ جَمْعَاءَ، والمتَّفِقُ مَعَ الفِطْرَةِ، والعَقْلِ، والشَّرْعِ، أَمَّا التَّغْيِيرُ السَّلْبِيُّ: مَرْفُوضٌ.. فَقَدْ أَوْقَعَ النَّاسَ فِي الهَوَى والضَّلالِ، ورَذَائَلِ الأَخَلاقِ... أَلاَ تَرَى مَا يُحْدِثُهُ العِلْمُ النَّافِعُ المفِيدُ مِنْ تَغْيِيرٍ فِي مُعْتَقَدَاتِ النَّاسِ، وسُلُوكِيَّاتِهِمْ، وتَعَامُلاتِهِمْ، بَلْ وفِي شَأْنِهِمْ كُلِّهِ.. وكُلُّ سَاعٍ فِي التَّغْييرِ الإِيجَابِيِّ سَيَتْركُ أثَراً نَافِعَاً فِي النَّاسِ، وسَيَبْقَى خَيْرَهُ مَا شَاءَ اللهُ، ويُخَلِّدُ التَّارِيخُ ذِكْرَهُ بِالْجَمِيلِ، والعَكْسُ بِالعَكْسِ... قَالَ تَعَالَى:فأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ[الرعد:17].
وانْظُرْ إِلى النُّقْلَةِ الكَبِيرةِ الَّتي أَحْدَثَهَا نَبِيُّنَا وحَبِيبُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي العَرَبِ والعَالَمِ أَجْمَعَ... ومَا حَصَلَ مِنْ الخَيْرِ والحَضَارَةِ الإِسْلاَمِيَّةِ العُظْمَى لأِمُّةِ الإِسْلامِ... ولَكَ أَنْ تَتَأَمَّلَ أَثَرَ التَّغْيِيرِ الحَاصِلِ فِي صَحَابَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بَعْدَ إِسْلامِهِمْ، بِالمقارنةِ بِحالِهمْ قَبْلَ الإسْلامِ يَتَبَيَّنُ لَكَ الفَرْقُ.. لِذَا كَانَتْ مُهِمَّةُ الأَنْبِيَاءِ والرُسُلِ إِحْدَاثُ تَغْييرٍ إِيجَابِيٍّ فِي مُعْتَقَدَاتِ النَّاسِ، وأَفْكَارِهِمْ، وسُلُوكِيَّاتِهمْ: وإِخْرَاجِهِمْ مِنَ دَيَاجِيرِ الشِّرْكِ والضَّلالِ إِلى نُورِ التَّوْحِيدِ والسُّنَّةِ.
وتَأَمَّلْ أَيُّها المحِبُّ أَثَرَ تَحَالُفِ الإمَامَيْنِ المبَارَكَينِ شَيْخِ الإسْلامِ مُحمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ ومحَمَّدِ بنِ سُعُودٍ-رَحِمَهُما اللهُ- فِي إِقَامَةِ الشَّريعةِ الإِسْلاميَّةِ وتَصْحِيحِ العَقِيدَةِ ومُحَارَبَةِ الشِّرْكِ والبِدَعِ في الجَزِيرَةِ العَرَبِيَّةِ.. بَلْ فِي العَالَمِ العَرَبِيِّ والإِسْلامِيِّ، ومَا أَحْدَثَاهُ مِنْ تَغْيِيرٍ فِي فَهْمِ الإِسْلامِ الصَّحِيحِ، وتَرْكِ مَا يُضَادُّهُ ويُنَافِيهِ، وكَذَلِكَ تَأَمَّلْ سَيْرَ الإِمَامِ الرَّاحلِ الْمَلِكِ الصَّالِحِ المؤسِّسِ عَبْدِ العَزيزِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ الفَيْصَلِ آلِ سُعُودٍ-رَحِمَهُ اللهُ- عَلَى خُطَا الإِمَامَيْنِ مُحَمَّد بِنِ عبدِ الوهَّابِ، ومحمَّدِ بنِ سُعُودٍ، ومَا أَحْدَثَهُ مِنْ تَغْيِيرٍ كَبِيرٍ فِي الجَزِيرَةِ بِقِيامِ دَوْلةٍ قَوِيَّةٍ عِمْلاقَةٍ، وتأْسيس قِيَامِ نَهْضَةٍ عَرِيقَةٍ في مختلف النَّواحِي(الدِّينِيَّةِ، والاجْتِمَاعِيَّةِ، والعِلْمِيَّةِ، والاقْتِصَادِيَّةِ) تُدْرِكُ أَهَميَّةِ التَّغْييرِ.
والتَّغْيِيرُ يَبْدَأُ مِنْ الذَّاتِ، ولا يَحْدُثُ إلاَّ بِالرَّغْبَةِ فِي التَّطْوِيرِ، والشَّجَاعَةِ فِي قَبُولِ الحَقِّ والأَخْذِ بِهِ، والإِذْعَانِ لَهُ مِمَّنْ أَتَى بِهِ، مَع الاعْتِرَافِ بِالخَطَأ وتَرْكِهِ؛ فإِحْدَاثُ التَّغْييرِ يَتَطَلَّبُ نُفُوسَاً مُتَواضِعَةً، وإِرَادَةً قَويَّةً. قالَ تَعَالى:إنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11]. وقَالَ سُبْحَانَهُ: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ[الأنفال: 53] .
وللهِ دَرُّ أبِي البَقَاءِ الرَّنْدِيِّ إذْ يَقُولُ:
لِكُلِّ شَيْءٍ إِذَا مَا تَمَّ نُقْصَـــــــــانُ فَلا يُغَرُّ بِطِيبِ العَيْشِ إِنْسَانُ
هِيَ الأُمُورُ كَمَا شَاهَدَّتَهَا دُوَلٌ مَنْ سَرَّهُ زَمَنٌ سَاءَتْهُ أَزْمَـــــــــــــــــانُ
وهَذِهِ الدَّارُ لا تُبْقِي عَلَى أَحَدٍ ولا يَدُومُ عَلَى حَالٍ لَهَا شَـــــــانُ
فَاسْعَ يَا رَعَاكَ اللهُ لإِحْدَاثِ التَّغْييرِ الإِيجَاِبيِّ المنْشُودِ فِي شَأْنِكَ كُلِّهِ، وفِي مَنْ حَوْلَكَ.. واحْذَرْ مِنْ اصْطِفَافِكَ بَيْنَ أَعْدَاءِ التَّغْيِيرِ الإِيجَابِيِّ، والصَّادِّينَ عَنِ الخَيْرِ، والحَقِّ، والعَدْلِ، كَمَا حَكَى اللهُ جَلَّ وعَلاَ فِي القُرْآنِ رَفْضَ المشْرِكِينَ لِلتَّغْيِيرِ والإِذْعَانِ لِقَبُولِ دَعْوةِ التَّوْحِيدِ والبَرَاءَةِ مِنَ الشِّرْكِ وأَهْلِهِ، بِشُبَهٍ وَاهِيَةٍ تُشِيرُ إِلى كِبْرِهِمْ وَعِنَادِهِمْ، قَالَ تَعَالَى:وكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إنَّا وجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وإنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ * قَالَ أَوَ لَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ[الزخرف:23-24]. وكَمَا حَكَى اللهُ جُحُودَ قَوْمِ مُوسَى ورَفضِهِمْ للِحَقِّ الأَبْلَجِ رُغْمَ يَقِينِهِمْ به، فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ عَنْهُمْ:وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ[النمل:14]. واللهُ الموَفِّقُ.
د. سامي بن أحمد الخياط
وكيل كلية التربية للتطوير والجودة
ssssss-87@hotmail.com
ص. ب 1581 الرمز 11911
الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم
ابو حسين
السلام عليكم/ التغيير للذي على غير طريق الهداية فل يبداء بالتغيير الذي يوصله إلى مرضات الله .
مشكور يا شيخ سامي .
02-05-2013 05:33 مساءً
ابومشاري
مقال جيد ومفيد
ولكن أرى أن تشكيل كل الحروف يتعب القرائ فلو اقتصرت على تشكيل آخر حرف من كل كلمة ترى أنها قد تشكل على القارئ فقط
وفقك الله وبارك فيك
03-05-2013 07:02 مساءً